ماجد المرهون
عندما تغُض الأنظمة والدساتير الغربية طرفها عن القوانين التي تجرم ازدراء الأديان والمعتقدات، وفي المقابل تبيح الانحلال الأخلاقي والتفسخ المجتمعي، فإن ذلك يشير بما لا يدع مجالًا للشك بأن الخلل قد وصل إلى العقول، فترفض القواعد المنطقية مع كثرتها وتركن للضَّال منها مع قلتها، وهو نتاج فتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ تعاقبت عليها أجيالٍ وتغيرت معها ثقافاتٍ نبذت القوانين الربانية وأخلدت إلى قوانين الحريات المطلقة حتى بات المُنكر معروفًا يأمرون به ولا يتناهون عنه، بل وتحميه قوانينهم وسُلطاتهم العليا في خلطٍ فجٍ بين رقي حرية التعبير الذي يتسنم بالفكر الخلاق إلى ذرى الإبداع وحضيض إشاعة الفتن والكراهية؛ من خلال إبرازها على أيدي عناصر لا تخلو من الأمراض النفسية، ويبدو أن كل ذلك متعمدًا لغرض العودة على المسلمين لاحقًا بعدما استثاروا مشاعرهم ودفعوا بهم دفعًا إلى درجة الغليان فيجدون لهم مسوغًا للرد، أو هي ذراع اليمين المتطرف تمتد في حينها المعلوم لتحقيق مكاسب سياسية ثم تُغل مؤقتاً مع تقديم اليسار اعتذارًا كالحًا وأسفًا باهتًا.
قد يعتقد السويدي الذي سوَّد وجهه ويديه بحرق القرآن مع غطاءٍ أمني مكثف لا يخلو من السواد ومباركةٍ حكومية بنفس اللون بأنه يُحقق شيئًا في ذاته من خلال تعبيره عن رأيه بهذه الفعلة، وهو بلا شك قد اتخذ هذا القرار بعد تفكيرٍ طويلٍ وتخطيط مسبق وتنسيق منظم، فهل حقق سعادته بعد كل تلك الجهود على حساب معتقدات ومشاعر غيره؟!
الجواب بالطبع لا، إذ يعيش من يقوم بمثل هذه الأفعال المعادية المستفِزة حالةٍ من الكبت لم تعد تحتمل نفسه كتمها ولن يكون التنفيس عنها إلا بواسطة إظهار التشفي على الشكل الذي ظهر به ولن تكون ذاته الموهومة سعيدةً دون عرض المشهد كما نَظم له مُخرجوه، وسيجر على نفسه فوق كبتها حالة لا تنتهي من الهم والأسى المتلاحقين والخوف والرعب المستمرين، وهذه مخلفات الشياطين.
تقع السعادة في حياة الإنسان على طريقٍ مجهول النهاية لكن العمل وقوة الأمل يدفعان به طول عمره في سبيل نيلها وتبقى النسبة بين تحقيقها المطلق ثابتة المسافة لا تتغير كالسراب إلا من سلك طريق الحق والرحمن، وعدا ذلك فإن تحقيق السعادة حلم نسبي ولا نسبة مع المجهول المطلق.