استراتيجية الصين في التنمية

تشو شيوان **

يصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى للحوار رفيع المستوى للتنمية العالمية، ولهذا أردت أن أتناول مفهوم التنمية العالمية من وجهة نظر الصين، ولماذا يتفق الجميع بأن الصين باتت هي المحرك الأساسي للتنمية العالمية.

لم أجد ما يلخص ما يمر به العالم حاليا أفضل من كلام الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال استضافته افتراضيا الحوار رفيع المستوى للتنمية العالمية يوم الجمعة الماضية، حيث قال: "في الوقت الراهن، تلتهم جائحة فيروس كورونا ثمار التنمية التي أحرزها العالم منذ السنوات، وتتعثر عملية تنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة، وتتواصل الفجوة بين الجنوب والشمال في الاتساع، وحصلت الأزمات في مجال أمن الغذاء والطاقة، وتقوم بعض الدول بتسييس أجندة التنمية وتهميشها، وهي تشيّد فناء صغيرا محاطا بجدار عال، وتفرض العقوبات القصوى وتصنع الانقسام والمواجهة، وفي نفس الوقت أصبحت رغبة شعوب العالم في السلام والتنمية والتعاون أكثر قوة، وأصبحت إرادة الأسواق الناشئة والدول النامية في تعزيز الوحدة للتقوية الذاتية أكثر ثباتا، وأصبحت الفرص التي أتت بها الثورة التكنولوجية الجديدة والتحول الصناعي الجديد إلى دول العالم أكثر وعدا".

لو تمعنا في هذه الكلمات لوجدنا أننا فعلا نعيش في عالم يسوده الهيمنة واحتكار الفرص وتسيد السلطة، وهذا ما يهدد التنمية العالمية في مختلف المجالات، ومن وجهة نظر الصين والقيادة الصينية أن هذا النظام لم يكن ولم يعد صالحاً خصوصا وأننا نعيش حرفياً في مركب واحد وتحدياتنا العالمية كبيرة وعديدة، وإذا لم نعمل سويا فلن نحقق أهدافنا التنموية، ونحن فعلا وبسبب نظام الهيمنة لم نحقق ما يذكر من أهداف التنمية التي وضعتها الأمم المتحدة 2030، والصين تريد بشكل أساسي أن نتمتع بسياسات أكثر حكمة وعدل وإنصاف، والصين قامت بالعديد من المبادرات والمشاريع التي تدعوا لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، وبناء مستقبل من الأمن والمساواة واحترام حقوق الإنسان، ومستقبل يضمن المساواة لجميع الدول وقادر على الدفاع عن حقوقها ومصالحها، إذ تلعب الصين الآن دورا رائدا في تعزيز بناء هذا العالم متعدد الأقطاب، وكل هذا قد يجعلنا نحقق أهدافنا التنموية والتصدي للمخاطر والأزمات.

لقد لقيت المبادرات التي اقترحتها الصين مثل مبادرة "الحزام والطريق" ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، استحسان المجتمع الدولي، وأثرت هذه المبادرات بشكل مباشر في تحسين حياة ملايين البشر، والصين مستمرة في دعم هذه المبادرات لتكون منارة تضيء الطريق وسط عتمة أرادتها بعض الدول للدول الفقيرة والنامية.

وخلال السنوات الماضية، ركزت الصين على التنمية العالمية وتعامل الدول الأخرى باحترام متبادل وعززت الصين علاقاتها بجميع الدول، وأجد أنه لا يمكن للعالم أن يتطور بسلاسة بدون احترام استقلال الدول وتنميتها وتاريخها وتقاليدها، فلا يمكن أن تمارس الهيمنة وتدعو للتنمية في وقت واحد، والصين تجد أنه لا يمكن للعالم أن يتطور إلا من خلال احترام التنمية الخاصة بكل دولة فلكل دولة طبيعتها الخاصة وظروفها وطبيعة شعبها وتقاليدهم.

إن التنمية ليست تنمية اقتصادية فقط وإن كانت التنمية الاقتصادية مهمة جدا، ولكن الصين تؤمن بأن التنمية يجب أن تأخذ مسارات عديدة، تنمية اجتماعية وصحية وتعليمية وبنية تحتية وعلمية وثقافية وغيرها من المسارات، والربط بين جميع هذه المسارات مهم جداً لضمان الاستقرار في التنمية، فلا يوجد تنمية اقتصادية بدون تنمية اجتماعية، وهذه المفاهيم والخبرات الصينية تولدت من تجربة تنموية صينية ناجحة عالميا.

والصين لا تفرض تجربتها على الدول بل تدعو لاختيار ما يناسب كل دولة دون وصاية أو فرض من الدول الكبرى، والصين كذلك عندما بنت مسارها التنموية بنته بما يتناسب مع طبيعتها الخاصة وما يتناسب مع شعبها، ومسألة الشعب في المقام الأول بالنسبة للصين، لأن الإنسان هو محور التنمية.

في النهاية أود أن أذكر من خلال هذا الطرح أن التنمية مفهوم عميق ومتشعب، ولا يمكن تنميته بشعارات رنانة دون تنفيذ على أرض الواقع، وما يميز الصين هو التنفيذ وتبني المشاريع التطويرية والتنموية، وهذا ما جعلها تكتسب احتراما كبيراً من قبل دول العالم بعكس بعض النماذج التي تكمن مهمتها في إطلاق شعارات فارغة لا تقدم للتنمية أي شيء، وأيضاً نقطة مهمة جدا أن التنمية ليست حكرا على أي أحد ومن حق دول العالم أن تبني مسارها التنموي الخاص.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية