"طباخ الرئيس" يطعن في الظهر؟!

علي بن بدر البوسعيدي

أحداث مثيرة للغاية شهدتها روسيا خلال اليومين الماضيين، حيث قرأنا في المواقع الإخبارية وشاهدنا عبر القنوات الفضائية ما قيل إنه تمرد مسلح من قبل قوات الشركة الأمنية الخاصة "فاجنر" والتي يقودها يفجيني بريجوزين، الذي كان في يوم ما أحد المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين.

تفاصيل ما حدث لم يتم الكشف عنها حتى الآن، لكن المحللين تسابقوا لمعرفة ما حصل بالفعل، وهل تعرض بوتين فعلًا لخيانة و"طعنة في الظهر" كما وصفها في خطاب بدا وجهه فيه متأثرًا بما وقع من أحداث، أم أنَّ الأمر لا يعدو كونه عملًا "متفق عليه مُسبقًا"؟ المدهش في الأمر أن الولايات المتحدة والغرب أصيب بصدمة، إذ لم يكن يصدق أن ينشق "طباخ الرئيس" عن قائده، ولم يكن أحد يعتقد أن قائد مجموعة فاجنر يُمكن أن يُفكر- عوضًا عن أن ينفذ- في خيانة رئيسه بوتين، الرجل الأقوى الذي يحكم روسيا منذ سنوات طويلة.

لمن لا يعرف، فالرئيس بوتين رجل استخبارات سابق، ومتمرس في هذا العمل الذي تطغى عليه دائما الصراعات والنفوذ والمؤامرات، ويُشاع أنه استطاع إحكام قبضته على مفاصل الدولة الروسية بفضل هذه الخبرات المتراكمة التي كوّنها في جهاز المخابرات الروسية. بينما قائد مجموعة فاجنر لا يعدو كونه صاحب مطعم في أحد شوارع موسكو، استطاع بعلاقته مع بوتين أن يُدير شركة التموين والإمداد الخاصة بمطبخ الكرملين، مقر الحكم في روسيا، ومن هنا جاءت تسميته بـ"طباخ الرئيس".. فهل فعلًا استطاع هذا الطباخ الذي لم يكن له أي خلفية عسكرية أن يقود تمردًا مُسلحًا ضد الرجل الذي يقود حربًا ضروسًا في أوكرانيا؟ وهل بوتين لم يكن يتخذ أي إجراء احتياطي لمواجهة أي خيانة في ظل ظروف الحرب الدائرة هناك؟ وهل أجهزة الاستخبارات والأمن الروسية لم تكن تعلم بنوايا قائد مجموعة فاجنر وسعيه للانقلاب على رئيسه الذي كان أكبر داعم له ولمجموعته الأمنية القتالية؟

سيلٌ من الأسئلة نطرحه ويطرحه غيرنا، لكن ما نستطيع قوله في هذا السياق، أن الأمر مليء بالتعقيدات، ولا يخلو- بلا شك- من أعمال خيانة وغدر، كما إنه لا يخلو من تكتيكات استراتيجية تعتمد نهج الخداع، فهناك من يظن أن بوتين خطط لهذا الأمر ليميز الخبيث من الطيب، أي ليعرف من معه ومن عدوه، أو أنه خطط لذلك بهدف تشتيت انتباه أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية التي تسعى لمعرفة تفاصيل حربه على أوكرانيا، وغيرها الكثير من التفسيرات.

ما يهمنا في هذا السياق، التأكيد على أنه لا بديل عن سعي المجتمع الدولي من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، وأن تتوقف الدول الغربية و"الناتو" عن استفزاز روسيا أو تهديد أمنها القومي، من أجل ضمان السلام في هذه المنطقة من العالم، والتي تمثل واحدة من أهم المناطق فيما يتعلق بتجارة الحبوب العالمية وأيضًا تصدير الغاز.