صفر مليوني

سارة أحمد الرواس

قيل قديمًا ''أعطني مسرحًا أعطيك شعبًا'' لقد كان المسرح في فترة من الفترات هو المنبر الوحيد الذي تستطيع أن تعبر فيه الشعوب دون أي خوف؛ كونه أمرًا ترفيهيًا لا أكثر، ومنه خرجت الكثير من المسرحيات السياسية والثقافية، وغيرها واستطاع الممثل أو الكاتب أن يبث رسالته ويحاكي القضايا الاجتماعية، ويضع كل قضية على خشبة المسرح، دون خوف أو قيود، فكان المسرح إما دراما أو كوميديا، أو حتى عروضا صامتة، ولكل عرض مسرحي أهميته ومكانته في المجتمعات.

وحين نأتي إلى الحاضر نجد أن خشبة المسرح قد استبدلت بوسائل التواصل الاجتماعي، وإن كان المسرح حاضرًا لكن على استحياء، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المنابر الأكثر فاعلية، ومنبرا لكل صوت في هذا العالم، فقد خرجت أطياف وأشكال عديدة ولكل منها صوت وتوجه، وأصاب البعض هوس الشهرة، وأصبح أكبر همه أن يصل اسمه قبل فكره، وضاعت الغاية الأسمى وسط معمعة حب الظهور فنجد صوت التفاهات يعلو بحكم أعداد المشاهدين المتصاعد، والربح الذي يحصل من خلالهم دون تطرق لاستحقاقهم أو لا، وصار الإنسان مجرد رقم ربحي لا فكر أو ثقافة، وظهرت معهم عظمة الأنا، وظنوا أنهم عنوان ومحور الكون، فيتفاخر بعضهم بصيغة الأنا المتعالية، أنا يتابعني ملايين المشاهدين، أنا شخصية مهمة، ونعوذ بالله من كلمة أنا، فقد تكون لذيذة جدا عندما تختلط بوهم العظمة فنجد من يقدم ما لديه، من مخزون فكري أو تجاري أو غيره من المجالات ممزوجة بـالكثير من الأنا، فيفقد المصداقية لأن المخزون يتسم بطابع الأنانية التي قد لاتبدو صريحة، ولكنها تظهر في وصولها للمتلقي؛ إذ إن أي فكرة يوجهها الشخص للجمهور يحب أن تصل قلوبهم ولن تصل إلى قلوبهم إلا إذا تجردت من كافة المصالح الشخصية وأبسطها حب الظهور، وفي حالات المؤثرين في برامج التواصل تصل الكثير من الأفكار للجمهور المتلقي بحكم الشخص المؤثر والأدوات التي يستخدمها وهنا يكون الخطر؛ إذ إن تكوين قاعدة جماهيرية في عصر العولمة سهل جدا فأغلب ما ينتظره المشاهد أو المتابع بعد يوم شاق هو ترويح عن النفس، إما بالضحك بما يعرض من سخافات أو متابعة أسلوب حياة، وهنا يأتي الخطر؛ إذ إن الشهرة في السابق كانت تختص بأصحاب الإنجازات الذين بذلوا جهودا كبيرة لتحقيقها، أصحاب العقول و العلماء الكبار وهذه الإنجازات لها أثرها الجيد على المجتمعات والأفراد، في حين أن ظاهرة المشاهير والفاشنستا حققت الشهرة لمن لا يملك أي إنجاز أو مهارة على الحقيقة والواقع، بل شهرة ناتجة غالبا عن تنازل عن قيم ومبادئ وعادات وتقاليد إذ إن هذا الفئة همها الكسب المادي والمصلحة الشخصية فقط همها كيف أصل لـ"الجمهور" لـ"مصلحتي" الشخصية وكسبي المادي،عبر تقديم الشيء الذي يجعلهم يهربون من الواقع الصعب الذي تعيشه أغلب شعوب العالم.

هناك تفسير علمي لما يحصل للعقل عندما يشاهد بكثرة برامج التواصل وهو ما يسمى بحالة الغشية، إن حالة الغشية هذه تعني أن هذا الشخص الذي يدخلها هو نصف واعٍ، يرى ويسمع ولكنه لا يناقش ولا يحاكم ولا ينتقد وبالتالي فإن ما يشاهده يدخل عقله اللاواعي دون استئذان ودون إخضاعه للمبادئ والمعايير التي يؤمن بها، وهذا يفسر التأثير السلبي لمثل هذا البرامج على معتقدات وقيم ومبادئ الكبار والصغار.

هنا دورك أيها المتلقي الواعي في ما تشاهده وتتابعه أنت وأسرتك، هل تتابع ما يخدم مصلحتك ومصلحة المجتمع أم تتابع ما يخدم المصلحة الشخصية لأفراد معينين أو مؤسسات ربحية همها فقط أن تكون رقما يتم الصعود به لمصالح ومكاسب شخصية ومادية فقط.

تعليق عبر الفيس بوك