ماذا بعد " نيور إلينك "؟

عائشة السريحية

ليس اسم ممثلة أمريكية ولا منتج ألماني، ولا لعبة يابانية، إنها تكنولوجيا العصر، وعنوان اقتحام الذكاء الاصطناعي لأدمغتنا، إنها التجربة الأولى من نوعها على الإطلاق في تاريخ البشرية بشكل مصرح.

نعرف جميعا ما هو الذكاء الاصطناعي بشكله العام،  ونعرف أيضا عن الذكاء الاصطناعي بنوعه الأولANI  وهو الذكاء الاصطناعي البسيط، وعادة ما يُستخدم لمحاكاة المساعد البشري ويزودنا بالمعلومات حسب ما تم تغذيته به مثال على ذلك CHATGPT  والذي انتشر بسرعة كبيرة في العالم غير أن تغذيته توقفت عند العام 2021 أي أنه لا يستطيع منحك ماتريد بعد ذلك التاريخ، وإن فعل فإنه لن يأتيك بالمعلومات الدقيقة والصحيحة، ويظل محدودا في قدراته بالشكل الذي صمم به رغم أنه أحدث ضجة غير مسبوقة، ومواقع أخرى ترسم لك ومواقع تتحدث بما تكتبه وغيرها، والشركات في تنافس عالي الوتيرة كل يوم في التطوير والابتكار لكسب مادي جديد.

ويتبقى نوعان الذكاء الاصطناعي العامAGI  والنوع الثالث، وهو الذكاء الاصطناعي الفائق ASI، وهو الأخطر حيث يخشى أن يصبح فوق مستوى البشر ولم يستخدمه العالم حتى اللحظة،  وحول إحلال الذكاء الاصطناعي كبديل أو كمساعد للذكاء البشري، ظهرت الجدلية القائمة مابين مؤيد ومعارض؛ حيث بات من الممكن أن الذكاء الاصطناعي استطاع تجاوز مقدرة الإنسان العقلية بسبب الخوارزميات والاستنتاج البديهي و المنطقي، إلا أن آلية حل مشكلات معقدة أو صعبة تحتاج لأرقاما فلكية من الخوارزميات للبحث وحل المشكلات، ناهيك عن حاجة الذكاء الاصطناعي للمعرفة التامة لكل الأشياء ومفرداتها وعلاقة بعضها ببعض فعلى سبيل المثال عليه أن يعرف العلاقة بين الدولة وعاصمتها ثم العاصمة ومثيلاتها، وهكذا بحيث تكون شبكة المعرفة التي تم تغذيته بها لا تشمل فقط المعلومات ولكن ارتباط المعاني والعلاقات الضمنية فيما بينها، ولعل ظهور أثر الخوارزميات، جعلت الكثير من مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يلاحظون أن هناك شيئا خفيا لا يدركه معظم عوام الناس لكنهم يشعرون به، وهو أن استخدامهم للبحث عن شيء أو مشاهدة شيء ما أو الاهتمام بمعلومة معينة أو مجال معين، يجد نفسه فجأة محاصرة بكمية المعلومات والأخبار والمشاهد التي تدور حول نفس اهتماماته على الإنترنت، وهذا أبسط مثل يقرب لك الصورة عزيزي القارئ.

لنعد مجددًا إلى إيلون ماسك ذلك الرجل الذي يقتحم مجالات يظن من سواه أنها فاشلة، لكنه وبطريقة يصعب تصديقها يستطيع تحقيق النجاح ويكسب من كل مشروعاته، وكأنه يتنبأ بردود أفعال العالم، فمن محطات الفضاء وصواريخه، إلى سيارات الكهرباء وانتشارها، ومن ثم العملات الرقمية التي يرفعها بتعليق منه ويطيح بها بتعليق آخر، ثم الضجة الإعلامية التي حدثت عند شرائه لشركة تويتر، وغيرها من التصرفات التي تحير العالم من حوله، إنه رجل يصدقه الكثيرون من أرجاء العالم بغض النظر عن حبهم أو كراهيتهم له.

وفي الآونة الأخيرة استطاع أن يحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على  زراعة شريحة في مخ الإنسان، كأول تجربة سريرية من نوعها، وقد كان هذا الأمر غير مقبول، لكنه عمل عليه لسنوات طويلة، ومن يعرف ماسك يعرف أنه عندما يعتزم القيام بفعل شيء ما فإنه يفعله!

يقال إن الغرض طبيًا لمساعدة من فقدوا بصرهم مثلًا أو أصيبوا بشلل في أجزاء من أجسامهم، وذلك من خلال إرسال معلومات إلى الدماغ ليتم تحليلها كما لو أنها إشارات عصبية حقيقية، وبالتالي ستكون أول تجارب تخلط بين العمليات الطبيعية للدماغ والآلة، ويجعلنا هذا نفكر بتلك الأفلام الهوليودية، والتي طالما صنعت لنا أبطالًا نصف إنسان ونصف آلة، ونحن في زمن التسارع والتطور التكنولوجي ربما سنتجاوز حلم الروبوت الآلي الذي يقوم بالطهي والتنظيف وتربية الأطفال ولا يحتاج راتبًا، أو أكلًا أو ملابسَ، ولا حتى غرفة أو سريرًا.

لا شك أن تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي هو أمر مخيف لدرجة أنني أسرح بخيالي حين أقرأ أخبار مجالاته وتقدمه، هل فعلًا سنتوقع ظهور الإنسان، نصف بشري ونصف آلة قريبًا؟

وماذا لو فعلا تم تصنيع هذه المخلوقات الهجينة النصف بشرية، كيف ستتعامل مع بقية البشر هل وفق الآلة أم وفق ماتبقى من خلايا بشرية، قد يقول القارىء إن الأمر صعبا ومستحيل ذلك ولا مكان لهذه الأفكار إلا في مخيلة الكتاب أو الروائيين، من هواة الخيال العلمي.

لكن شريحة إيلون ماسك "نيور إلينك" ما هي إلا بدء اللعبة والتي ستسمح له ولغيره، ممارسة ما لا نتخيل أو نتوقع، والذريعة أبحاث طبية وزراعة شرائح، وربما في حال نجاح مشروع إيلون ماسك، ربما أرغم سكان العالم جميعًا بوضع شرائح إلكترونية، تكون بمثابة المعرف الحقيقي للإنسان اسمه رقم جوازه معلومات مسجلة عن سجل طبيعة حياته محفظته المالية تأمينه الصحي، وربما أيضا تستخدم لشل حركته في حال أقدم على جنحة أو جريمة، أو حتى لقتله وذلك يعتمد على المتحكم بالشريحة المزروعة، وربما أيضًا تعرض للتهكير، الأمر قد يكون مضحكًا الآن لكننا لا نعرف ما الذي سيحدث غدًا.

الذكاء الاصطناعي لمن يرفضونه اليوم في الغد القريب سيصبح هو المرجعية وسيغير شكل الحياة إلى الأبد.