أحلام البسطاء

 

حمد الحضرمي **

 

 

الإنسان مخلوق ضعيف، ويتضح ذلك جليًا أمام الصعوبات والأمراض والأزمات المادية والنفسية، التي تُواجهه في حياته منذ ولادته حتى مماته، قال الله تعالى "وخلق الإنسان ضعيفًا" (النساء: 28)، والإنسان طوال عمره والمشاكل والصعوبات تحيط به من كل الاتجاهات، وحياته محفوفة بالأخطار والمتاعب، وهو يكافح في بحر متلاطم الأمواج؛ فالعيش في هذه الحياة أصبح من الصعوبات، ولا يستطيع الإنسان البسيط الصمود أمام هذه التحديات والمشاكل، لأن الإنسان له طاقة محدودة، وكلما زادت عليه التحديات وجد صعوبة في التغلب عليها، وتبدأ قواه تضعف شيئًا فشيئًا، حتى يصبح مع مرور الأيام والسنوات غير قادر على تحمل الأعباء الشديدة.

والناس البسطاء في مجتمعنا أصبحوا كثر، وهمهم الأول في حياتهم التركيز على معيشتهم اليومية، وكيف يعيشون ويحيون حياة طبيعية، وكيف يوفرون لأسرهم عيشة كريمة، وغايتهم أن تكون حياتهم مستقرة آمنة مطمئنة، ولهم في الحياة طلبات بسيطة كبساطتهم،  فيأملون أن يدرس أبناؤهم، وتقدم لهم خدمات صحية، وأن يحصل أبناؤهم على منح وبعثات دراسية، كما يرجون أن يوفر لأبنائهم بعد التخرج فرص عمل، حتى يعيشوا عيشة سعيدة كريمة دون أي منغصات.

ومنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، أولى ملف تشغيل الباحثين عن العمل أولوية قصوى، وتم إطلاق البرنامج الوطني للتشغيل، وقد وجه جلالته توجيهاته السديدة لكافة الجهات بتقديم أوجه الدعم لتنفيذ البرنامج الوطني للتشغيل؛ إذ يسعى المسؤولون عن البرنامج الوطني للتشغيل والمعنيون بملف تشغيل الباحثين عن العمل، لإيجاد الحلول المناسبة التي تحسن من أوضاع المواطنين الباحثين عن العمل وتساعدهم لحياة كريمة في وطنهم، غير أنه حتى الآن لم يُحقق البرنامج النتائج المرجوة، وتبين ضعف تعاون الجهات الحكومية والخاصة مع البرنامح الوطني للتشغيل.

الأمر الذي أصاب بعض المواطنين بالاستياء، لأنهم ينتظرون من أصحاب القرار أن تصدر منهم توجيهات تُسعد المواطنين الباحثين عن العمل، وتُدخل الفرحة على قلوبهم وتتحسن أحوالهم. والناظر والمتأمل لوضع المواطن البسيط  الباحث عن العمل يجد أن أحوال بعضهم في غاية الصعوبة، ولا يمكن للمواطن بهذه الأحوال أن يعيش عيشة طيبة، فقد أصابه اليأس، وتبخرت أحلامه وأمنياته، وأصبح كالريشة في مهب الريح، إلا إذا شعر المسؤولون بمسؤولياتهم ووضعوا حلولًا عاجلة تساعد المواطن البسيط الباحث عن العمل، وتسانده لينهض ويقوم على قدميه من جديد.

إن وجود الإنسان بلا عمل من أخطر المشكلات الاجتماعية، وإهمال علاجها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، فهي الباب الموصل إلى كل الشرور، لأنه يُهيئ للأفراد التفكير في ممارسة الإجرام على اختلاف صوره، وديننا الحنيف يحث الشباب على العمل واحتراف المهن، كما فضَّلها على التفرغ للعبادة، وكره الكسل ورفض التواكل والتسول. ومشكلة الباحثين عن العمل من أكبر المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها دول العالم أجمع، وقد أصبحت هذه المشكلة ظاهرة في مجتمعنا، والأمر في غاية الأهمية، ويتطلب من جميع المهتمين والمعنيين البحث عن أسباب هذه الظاهرة وآثارها، حتى يتم وضع حلول مناسبة لها في إطار الإصلاح الاقتصادي السليم الذي تسعى الحكومة لتطبيقه.

وقضية الباحثين عن العمل لها أسباب اقتصادية واجتماعية، الأمر يتطلب التدخل السريع للاستفادة من العنصر البشري والمادي، وأن تضع الحكومة لهؤلاء الشباب- وهم طاقات مهدرة- خططًا وبرامج تدريبية لاستغلال هذه الموارد البشرية الشابة المملوءة نشاطًا وحيوية. وستبقى مشكلة الباحثين عن العمل ظاهرة اجتماعية مؤثرة في الجانب الاجتماعى والنفسي، لما يتعرض له الشباب الباحث عن العمل من ضغوط نفسية كبيرة، ويصاب بعضهم بحالات من الاضطرابات الشخصية والنفسية، والسبب أن الشاب لا يستطيع الاعتماد على نفسه لأنه بلا وظيفة وبلا عمل، ويعتبر نفسه عالة على المجتمع.

الوضع يتطلب من المؤسسات العامة المعنية بالتوظيف، بالسعى الدؤوب لتوفير فرص العمل، وذلك بوضع وتطبيق التشريعات والأنظمة والقوانين الملزمة التي تحقق للشباب فرص العمل والتوظيف، ويتوجب كذلك توجيه مسار عملية التعليم والتدريب لتتناسب مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل، كما يلزم الوضع من المؤسسات الخاصة استشعارها بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وأفراده، والتركيز والحرص والعمل على دعم عملية إعداد وتأهيل الشباب الباحثين عن العمل علميًا ومهنيًا ليصبحوا قادرين على أن يكونوا أعضاءً صالحين منتجين في المجتمع.

المعنيون بالأمر يتبين لهم أن مشكلة الباحثين عن العمل لها آثار كبيرة تتجاوز الفرد والأسرة والمجتمع، فهي تربة خصبة للأفكار الهدّامة، فالباحث عن العمل الناقم على المجتمع، مستعد لتقبل أكثر الأفكار تطرفًا وانحرافًا، فهو أصبح معقدًا نفسيًا، مشلول الفكر، ويشعر أنه عاجز لا جدوى منه، ووجوده كعدم وجوده، ولا فائدة منه تذكر.

 وللحد من تزايد أعداد الباحثين عن العمل، فإنني أضع لأصحاب القرار المعنيين بالتوظيف حلولًا وأوجزها في النقاط التالية:

* متابعة مؤشرات قياس الأداء وتقييم النتائج المُحققة لدى البرنامج الوطني للتشغيل.

* توفير فرص عمل للقادرين والراغبين والمحتاجين بصفة سريعة.

* استحداث برامج تعليم وتدريب حكومية، تستهدف من هم خارج نطاق القوى العاملة، ومساعدتهم على اكتساب المهارات والحرف التي تتلاءم مع سوق العمل.

* تطبيق نظام التدريب التحويلي للخريجين الباحثين عن العمل، وذلك بإعادة تأهيلهم في مجالات جديدة يحتاجها سوق العمل، مثل تأهيل المعلمين.

* تقديم قروض بدون فوائد بنكية للباحثين عن العمل، وذلك لإقامة مشاريع تجارية خاصة بهم.

* فتح مجالات لتعليم الباحثين عن العمل وتدريبهم على الحرف اليدوية التقليدية التي يحتاجها سوق العمل.

* تطوير وتحسين نظام التعليم في معاهد التدريب المهني والفني وتطوير آلياته، وذلك لتلبية احتياجات سوق العمل.

* وضع خطة حازمة لتنفيذ سياسة إحلال العامل والموظف المواطن محل العامل والموظف الوافد في المهن والوظائف التي يمكن شغلها.

إن مشكلة الباحثين عن العمل بطبيعتها وتعدد أنواعها وأشكالها، وعلاقتها بأكثر من عامل، يجعل وسائل وطرق علاجها طويلة المدى، ولكن الأمر لأهميته البالغة وتزايد أعداد الباحثين عن العمل، فإن الضرورة تستدعى وضع حلول سريعة، وتوفير فرص عمل للشباب الباحثين عن العمل بصفة عاجلة، حتى تُتاح لهم المُشاركة والمُساهمة في بناء وتنمية الوطن، ولن يتردد شباب الوطن الوفي المخلص في خدمة وطنهم بكل طاقاتهم وببذل الجد والاجتهاد والوفاء والعطاء والمحافظة على المكتسبات والمنجزات، وتعزيز وتجديد الولاء والانتماء للوطن والسلطان.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك