سفينة نوح

 

سعود بن حمد الطائي

في زمن غابر، أوحى الله تعالى لِنبيه نوح أن يبدأ بصنع فلكٍ أو سفينة لتجنب الطوفان، يحمل فيها كل من آمن بالله وصدق نبيه نوحٍ عليه السلام، ولم يعرف أحد إلى يومنا هذا أين استقرت تلك السفينة بعد انحسار الطوفان وعودة الحياة إلى سابق العهد، لكن السفينة بقيت في ذاكرة الشعوب أمدًا طويلًا وأصبحت بمرور الزمن رمزًا للنجاةِ من الطوفانِ العظيم.

وفي ذلك يقول الملياردير الأمريكي وارن بافيت إن الاقتصاد الناجح لكي يتغلب على الأزمات يحتاج إلى فكرة أو قاعدة سفينة نوح "لا تنتظر الطوفان؛ بل اصنع سفينة"؛ فالأعاصير والأمطار والعواصف ظواهر طبيعية تتكرر في كل زمان ومكان، وكذلك يتكرر الانكماش الاقتصادي والركود بين فترة وأخرى وتتراجع نسب النمو وتتبدل الأحوال بتعاقب الليل والنهار؛ وهي ظواهر تتكرر مثل الظواهر الطبيعية التي تأتي دون سابق إنذار. ولذلك فعلى الحكومات والمؤسسات المالية والاقتصادية والأفراد أن يكونوا مستعدين لتلك الأزمات والمنعطفات الحادة، وذلك ببناء "سفينة نجاة" تُبحر فوق الأزمات وتصل بأفرادها إلى شاطئ الأمان.

وسفينة نوح رغم أنها رمزية في مفهومها وبسيطة في مجملها، إلا أنها عميقةٌ في تأثيرها، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بحماية الاقتصاد والمؤسسات المالية والتجارية من خطر الانهيار.

فكرة السفينة تعني توفير الإمكانيات وتجنب الثقة العمياء في الازدهار والاستعداد لأيام الركود بعدم الإسراف وتبذير الأموال، وتقنين الميزانيات، وتعزيز الاحتياطات المالية واستثمارها في أصول آمنة، والاحتفاظ بها عند حدوث الأزمات. وكما عرفنا كيف غرق قوم نوح ونجا من كان على السفينة، شاهدنا أيضًا كيف تعرضت دول كثيرة للإفلاس وانهارت اقتصاديات دول عدة لم تستطع النجاة من براثن الركود والانكماش الاقتصادي نتيجة لعدم استعدادها وقصور رؤيتها في إدارة مواردها وتراجع الأسواق وانكماش الاقتصاد، وكلها أمور لا مفر من حدوثها، مثلها مثل ازدهار الأسواق وانتعاشها؛ وهي ظواهر تتكرر وتقضي على الكثير من الشركات التي لم تبنِ سفينتها، ولم تمتلك العقلية السليمة وتنقصها الرؤية الواضحة البعيدة وتفتقر إلى الصبر والمرونة والاتجاه الصحيح والواضح، لتحقيق الأهداف ومعرفة الوسائل المساعدة لتحقيق ما تصبو إليه من أهداف.

"قاعدة سفينة نوح" وإن كانت غير معروفة كثيرًا على الجانب الاقتصادي، إلا أنها تشير بكل وضوح إلى ضرورة تنمية عقلية استراتيجية واتخاذ قرارات طويلة الأمد، آخذة في الاعتبار احتمالات التعرض لتراجع الاقتصاد وحدوث ركود اقتصادي. وهذه العقلية الاستراتيجية يجب أن تتسم بالهدوء وعدم الذعر خلال الأوقات المضطربة، والتركيز على الآفاق طويلة المدى، وبدلًا من الخوف والتراجع، فإن هذه العقلية تستخدم أوقات الأزمات كمحفزٍ للنمو وتعمل بالكثير من الاهتمام في أوقات الأزمات، كما لو كانت في أيام الرواج والازدهار.

لذلك عند الشدائد، أجعل سفينتك جاهزة حتى لا يحول بينك الموج وتكون مع الغارقين.