التعليم.. نقاط ضعف وقوة!

 

الطليعة الشحرية

الطالب العبقري هو من يمكنه تحصيل مُعدل 100%، وإذا تحصل على صفر فهو يساوي الصفر، عندما يغوص الطالب بين الملخصات والنسخ والمُقرر المدرسي إن وجد وبين دروس التقوية والمراجعة والمذاكرة والكمية الرهيبة من المحفوظات وكأن الطالب أمام مائدة دسمة بها ما لذا وطاب وما لم يطب، تقف في آخر هذا المعمعة متسائلا هل كنت بحاجة إلى ذلك الكم من المعلومات والحشو؟ هل ساستخدمها مُستقبلا؟

بين التنظير والكم في التعليم وبين الممارسات والأساليب التربوية التي ترهق الطالب والمدرس، هل يضيع السبب والهدف الأساسي من التعليم، إلى ماذا نطمح من التعليم؟ ما هو الهدف من المؤسسة التعليمية؟

(1)

أشباح التعليم..

نحن من نصع أشباح التعليم منها المحبة مشروطة عند بعض الأهل "إن كنت منضبطا، ومجتهدا في حفظ المعلومات وحققت درجات عالية" فأنت ممجد عند ذويك وأنت ذكي. بينما الشبح الثاني يتمثل قطع أشواط الحشو للطلاب من المعلم، فالمعلم لديه خطة يريد إتمامها ولا يهم فيها الفهم فكلما أنجز شوطاً وتم تعبئة الطلاب بالكمّ الهائل من المعلومات فالمعلمة أو المعلم منجز وحقق خطة الوزارة وخطة المدرسة وارتفع رصيد إجادته الوظيفة. وتضيع فسح الإبداع ويخبو الشغف فالطلاب والمعلمون والآباء مشغلون في عقد المقارنات بين الطالب الذكي الحافظ والطالب البليد بطيء الحفظ. هنا ينحصر التعليم وتقزم أهدافه إلى هدفٍ واحد احفظ حل الامتحان احصل على درجات تؤهلك لدخول كلية أو جامعة نقطة على السطر انتهى.

يتحول الطلاب في هذه المنظومة إلى لوحة استقبال فقط مجردٍ من السؤال والاستنتاج لا يملك الشغف الفضول المعرفي، فكل شيء عنده سواء.

(2)

العظماء لم ينجحوا دراسيًا..

أغلب الموهوبين الذين شكلوا علامة فارقة في العالم فشلوا على مقاعد الدراسة، مثال ذلك توماس إديسون (مخترع المصباح) والذي غيرت اختراعاته البالغ عددها 1093 حياتنا، اعتبره المدرسون غير قابل للتعلم، ولم يتعلم سوى ثلاثة أشهر فقط بعد أن وجده ناظر المدرسة طفلا بليدا متخلفا عقليا.

ليس وحده "توماس إديسون"، ألبرت أينشتاين، صاحب النظرية النسبية أيضًا كان يأتي دائما متأخرا في العلوم والرياضيات ويذكر أنه رسب في مادة الرياضيات ثلاث سنوات واعتبره المدرسون بطيء التعلم، ولويس باستور، مكتشف الجراثيم والبسترة، كان كثير السرحان لدرجة أنه صُنف كمريض ذهان،  فلماذا كل العظماء لم ينجحوا دراسياً؟ هل هناك مشكلة في منظومة التعليم التلقيني؟

(3)

السيد التابع

سبب فشل المنظومة التعليمية في الكثير من الدول هو قيامها على مبدأ السيد التابع، فالسيد هو المعلم الذي يعرف كل شيء في أي شيء مهمته التلقين وحشو المواد والدروس في رأس الطالب وعليه إفراغ تلك المعلومات على ورقة الاختبار للحصول على درجات عالية. ولا تسمح هذه العلمية للطالب بالتفكير الإبداعي أو العصف الذهني، بل تساهم في اضطراب منهجية التفكير في سوء التنظيم الذهني للواقع وتقترب الذهنية المتخلفة من الواقع وتتعامل معه دون خطة مسبقة ذات مراحل منطقية سلفاً.

منظومة السيد التابع تخلق نظامًا شبه فاسد من تكثيف المواد وكثرة الواجبات وإطالة أوقات الدوام واللجوء الى الدروس الخصوصية، وانشغال الأمهات خصوصا بحل واجبات ومشاريع الأبناء وكأنها منظومة وُضِعت للأم، وحين تسأل الطالب ماذا تعلمت؟ ستجيبك أمه بكل حماسة ماذا حفظ وليس ماذا فهم وأدرك وأبدع، فكل ما يدرس لا يمت بصلة إلى البيئة الثقافية، فكلها ممارسات غير تربوية تهتم بالكمّ وتضعف العملية التعليمية ترهق الأستاذ والتلميذ والأم المجتهدة.

(4)

السباق نحو القمة

 السباق نحو القمة هي إستراتيجية تعليمية طموحة أطلقها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" واعدا بنهضة تعليمية شاملة لأمريكا عبر أساليب محاسبية أدق ومعايير تقويمية لأداء المدرسين ومتطلبات إضافية لتحقيق تفوق الطالب وتم توثيق ذلك في فيلم وثائقي "Waiting for Superman"  في انتظار سوبرمان حتى اسم الفيلم فنتازيا بطولية. أثبتت استراتيجية أوباما فشلها بعد سنوات من زيادة تسرب الطلبة وإغلاق المدارس وتسريح المدرسين.

علق الدكتور سالبرغ على فشل هذا المشروع الأمريكي البطولي الجليل "بأنها انتكاسة متوقعة لكل دولة تتبع أساليب مُتشددة لمحاسبة أداء الطالب والأستاذ ولا تستطيع أي دولة اتباع هذه الأساليب الجرثومية لتحسين مستوى مدارسها".

المضحك المبكي أن النظم التعليمية الصارمة تشكلت نتيجة لأحداث تاريخية صارمة ولت واندثرت مثل الثورة الصناعية والحرب الباردة، ورغم تلاشي أسبابها اليوم لا يزال التعامل بذات الحلول القديمة التي اقترحتها الدول العظمي إبان صراعتها السابقة، فلماذا نهرول لحيازة صكوك الاعتراف الأمريكية والبريطانية؟ فكما هو واضح فالعظماء لا ينجحون في الدارسة.

(5)

التعليم الفريد

"نحن لا نملك ذهبا ولا نفطًا، ولكن لدينا تعليم فريد" هذه هي المقولة الشائعة في دولة صغيرة اسمها فنلندا. كانت فنلندا دولة في قاع الهرم التعليمي وقفزت لاحقاً لتصل إلى قمته وتتربع على العرش وتكون الأولى على مستوى العالم وذلك لاحترافها التعليم وبفروق كثيرة بينها وبين دول العالم. الأسباب السبعة التي أعطت فنلندا حق الريادة التعليمية في العالم أولها احترام التعليم جزء من الهوية الفنلندية، ومن الصعب لأي أحد أن يكون معلماً فيتوجب على المدرس أن يكون ذا كفاءة عالية وحاصلا على درجة الماجستير ويتم قبول 11% فقط منهم وبرواتب عالية مجزية. تركز سياسة التعليم في فلندا على زيادة العمق في المضمون المدروس بدل من زيادة المضمون والتعامل معه بسطيحة لذا تم اعتماد ساعات عمل أقل وراحة أكثر. لا فصل بين الطلاب بناء على أساس مستواهم التعليمي فلا يتم عزل الطلاب حسب درجاتهم التعليمية ليصلوا إلى المعدل المتوسط والسائد وهو ما جعل فلندا تمتلك أصغر فجوة تعليمية بين الطلاب الأقوى والأضعف في تقييمهم التعليمي على مستوى العالم وذلك وفق دراسة أجرتها مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية.

يحصل الفنلنديون على جودة تعليم متساوية فلا يوجد تصنيفات وترتيبات ومنافسة بين المدارس فجميعها تعمل وفق أهداف قومية واحدة، لذا يحق للجميع الحصول على ذات الجودة التعليمية وإن اختلفت بيئته الحضرية أو الريفية، وبعيدا عن التجارة بالتعليم. ارتفعت نسبة المقبلين على الجامعة في فلندا وتوفقت بذلك على الولايات المتحدة وتصل نسبة المقبلين على الجامعة إلى 93% بالمقارنة مع أمريكيا التي تصل النسبة فيها 75%.

كيف حققت فلندا الريادة على عرش التعليم، وهي لا تمتلك النفط والذهب؟ ببساطها تخلصت فنلندا من جراثيم التعليم!

(6) 

معًا نُبيد جراثيم التعليم..

"أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلص من الجراثيم"، هكذا أطلق الدكتور سالبرغ عراب التعليم في فنلندا مصطلح جراثيم التعليم وهو مشتق من الأحرف الأولى لاسم الحركة العالمية لإصلاح التعليم" "Global Education Reform Movement، وهو اختصارلـ«GERM» جرثومة.

يتهم سالبرغ الحركة بإفساد التعليم، وإن ادَّعت إصلاحه، وصار يختصرها بكتاباته ومحاضراته باسم الجراثيم، كناية عن الأساليب المُعدية التي ما زالت تنتهجها هذه الحركة حتى تفشت في جميع مدارس العالم. ومن تلك الأساليب المُعدية تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات، إطالة أوقات الدوام، الدراسة المنزلية والدروس الخصوصية، كلها أساليب يؤكد سالبرغ أنها جراثيم قادرة على هدم أي نظام تعليمي يتكئ عليها، لأنها ممارسات غير تربوية من شأنها إرهاق الأستاذ والتلميذ معًا، وإضعاف عملية التعليم بمجملها. فالهدف من التعليم بناء اقتصاد جيد والمحافظة على ثقافة البلد والأساليب الجرثومية للمنظومة التعليمية لا تحقق ذلك. فإلزام النشء بالمعارف المعزولة سبب كافٍ لنفوره من التخصص بها مستقبلاً ويقتل القدرة الإبداعية لدى الطالب على الإبداع وإنتاج أفكارٍ جديدة وتنحصر قدرته في تلقي المعلومات وإفراغها على ورقة ستحدد قيمته ذكي أو بليد.

(7)

 أمة صغيرة لا نهمل أي طالب

"التعليم أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم" نيلسون مانديلا، بين العولمة والانفتاح وحرية تدفق الأفكار والمواد والأفراد انتشرت المعارف وسهل استعمالها عبر وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فلماذا الهرولة والتسارع لما العقول بكمٍ هائل من النصوص والنظريات والمعادلات ولماذا التفاخر بصكوك اعتراف دولٍ لم تحقق الريادة في التعليم؟ فكل ما تنتجه المنظومة التعليمة عدد ضخم من الببغاوات القادرة على تكرار ما حفظت. التعليم ليس للتقييم؛ فدور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من خلال ورقة. والمدرس يجب أن يكون أقل من يتكلم في الصف، ويجب أن تكون المناهج عملية تركز على نحت المهارات الاجتماعية والإدارية مع شق نظري يراعي الاختلافات الفردية بين الطلاب، ويجب عند تصميم المناهج الأساليب المرحة والمحببة التي تتفنن بتوصيل المعلومة. والأهم هو تخصيص مواسم دورية للمسابقات والمنافسات الفردية والجماعية داخل المدرسة في تغطية المنهج فهي أكثر فعالية من أسلوب التلقين.

عند سؤال السير "كين روبنسون"، المستشار التعليمي البريطاني وأحد قادة التعليم في العالم، وصاحب الخطاب الأكثر شهرة ومشاهدة في تاريخ ملتقيات «TED» حول المدارس المبدعة، يقول: حين يسألني الناس ما لو كانت هناك دولة تطبق التعليم الإبداعي الذي أنادي به، أجيب: فنلندا. هل علينا أن نصبح كفنلندا بلا نفط ولا ذهب كي نتحصل على تعليم متميز؟!