"جرفة الـ30"!

 

سالم بن نجيم البادي

لمن لا يعرف الجرفة، فهي السيل الذي يتدفق في الوادي بقوة زائدة عن الحد المعتاد، ويصل إلى الأماكن المرتفعة ويجرف معه كل شيء؛ وذلك عند نزول الأمطار الغزيرة جدا، وعادة ما يحدث خسائر في الممتلكات وربما الأرواح.

وكان الأجداد يحفظون تاريخ حدوث الجرفة ويؤرخون به الأحداث، كأن يُقال سنة الجرفة التي دخلت إلى ضاحية فلان وجرفت النخيل، والجرفة التي دخلت الحارة وهدمت بعض البيوت، وسنة الجرفة العظيمة التي حملت جمال أبي وخالي وجارهم ذات سنة، والجرفة التي جرفت الأختين التوأم وكن ذاهبات إلى زيارة أقربائهن عندما جرفتهن الجرفة في طريق عودتهن، وأصبحن حديث الناس في ذلك الزمن البعيد وإلى الآن يتحسر عليهن كبار السن.

لكن الجرفة التي أتحدث عنها هنا هي الجرفة التي جرفت أولئك الذين أكملوا 30 سنة في الوظيفة، وقد أحيلوا إلى التقاعد الإلزامي، وهكذا فجأة ومن غير سابق إنذار، وكنت قد أشبعتُ هذا الموضوع نقاشًا وذكرته في أكثر من مقال، غير أن ما جعلني أعود إليه، هو رغبة كثير من هولاء في الحديث عن قضيتهم حينما التقي بهم في المناسبات المختلفة، وقد تركوا خلفهم ترقيات متأخرة لم يحصلوا عليها، وديوناً لم تسدد بعد، وآمالا لم تتحقق، وخططاً لم تنفذ، وحصلوا على مكافأة نهاية خدمة زهيدة، خاصة أولئك الذين كانوا يعملون وفق نظام الخدمة المدنية، والراتب الذي خصم منه جزء كبير، وقد تركوا يلفهم النسيان والإهمال.

ومع كثرة الحديث عن قوانين الحماية الاجتماعية ومزايا التقاعد والعمل، يأملون أن تتحسن أوضاعهم وقد قالوا بلسان واحد تجمل ذكرهم "عن ينسونا" و"عسى يبدنا شيء يوم تصدر القوانين الجديدة".