فايزة سويلم الكلبانية
نجحت الحكومة الرشيدة في تحقيق فائض مالي يُقدَّر بنحو 450 مليون ريال بالميزانية العامة للدولة بنهاية الربع الأول من العام الجاري، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية، ومن ثم نمو الإيرادات العامة، وأيضًا توجهات الحكومة السديدة في إدارة المالية العامة للدولة، مما أسهم في سداد جزء كبير من الدين العام، لا سيما القروض مرتفعة الفائدة.
وفي خضم هذه التطورات الإيجابية، تزف لنا مؤسسات التصنيف العالمية بشريات جديدة سارة، وكان آخرها رفع وكالة موديز التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى Ba2، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية إيجابية. ومما لا شك فيه أن سلطنة عمان من الدول التي تمكنت من أن تستفيد من ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وذلك نتيجةً لما يشهده العالم خلال السنوات الأخيرة جراء الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب ما صاحب هذه الفترة من عقوبات على صادرات الطاقة والغاز الروسي، ومن هنا لكون سلطنة عمان من الدول المصدرة للنفط والغاز، إلى جانب الاستمرار في آليات تخفيض الإنفاق والتقليل من مخاطر التوجه للسيولة الخارجية.
إنَّنا نستبشر خيرًا بما يعلن ويكشف عنه من أرقام وزيادات في فائض ميزانية السلطنة، لا سيما وأن الفوائض المالية- ولله الحمد- آخذة في الزيادة، مما يؤدي إلى تعظيم القدرة المالية على سداد الدين الخارجي. لذا من الضروري توجيه جزء من هذا الفائض والسيولة لتعزيز التعافي الاقتصادي، من خلال زيادة الإنفاق على المشاريع الإنمائية بالدرجة الأولى، خاصة وأن المواطنين والباحثين عن عمل- تحديدًا- ينتظرون ما يُلامس معيشتهم وحياتهم اليومية من انتعاش وتغيير وآثار إيجابية عليهم بشكل مباشر، نتيجة هذا التحسن وزيادة الفائض وارتفاع التصنيف الائتماني. ولقد كتبنا مرارًا وتكرارًا ورددها الكثيرون غيرنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أن المواطن عادة لا يشعر بالتحسن الذي يطرأ على مؤشرات الاقتصاد أو حتى المالية العامة، فالمواطن يعنيه في نهاية الأمر لقمة عيشه ورزقه وتحسُّن دخله.
من هذا المنطلق، يبقى القول إننا بحاجه ماسة إلى انعاش الاقتصاد والسوق من خلال الإسراع في ضخ المزيد من السيولة في مختلف القطاعات، لا سيما الإنتاجية منها، والتي تضمن توظيف المزيد من أبناء الوطن، ضمن مبادرات تستهدف تعميق الاقتصاد وتقوية القطاع الخاص، حتى يستطيع هذا القطاع الحيوي المساهمة في توظيف شبابنا من الباحثين عن عمل، واعتبار هذا التحدي ضمن أولويات الأجندة الاقتصادية، مستفيدة من فائض الميزانية وارتفاع التصنيف الائتماني للسلطنة وتراجع الدين العام.
ولضمان استمرار هذا النجاح واستدامته، لا بُد من أن يواكبه انتعاش للاقتصاد والعمل على تمويل مشاريع استثمارية جديدة تعمل على توفير فرص عمل للباحثين، ورفد الاقتصاد باستدامة في السيولة وإنعاش قطاع العمل الحر وريادة الأعمال، وإعادة النظر فيما وصلت إليه أحوال عدد كبير من المواطنين المُسرّحين من أعمالهم، أو من يواجهون تحديات في تحمل أعباء المعيشة، لأسباب خارجة عن إرادتهم، هنا سيكون النجاح مشتركا وملموسا على نحو أعمق.
وأخيرًا.. لا يمكن لأي اقتصاد في العالم أن ينمو اعتمادًا فقط على الإدارة المالية الحصيفة، وهي مطلوبة بلا شك، لكن أيضًا في الوقت نفسه يتعين على الفاعلين في الملف الاقتصادي العمل بكل طاقتهم من أجل إنعاش الأسواق المحلية، ودعم نمو القطاع الخاص، من خلال إطلاق مبادرات تحفيزية وتبسيط الإجراءات وتعزيز اللامركزية، بما يساعد هذا القطاع على تجاوز التحديات وينطلق بعدها نحو آفاق أرحب، تخدم مسيرة التنمية الشاملة والمُستدامة في وطننا الحبيب.