رفع حدود سقف الدين الأمريكي

 

علي الرئيسي **

 

منذ شهر يناير، يخوض الديمقراطيون والجمهوريون، مواجهة حول حدود الدين العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الإجراء الذي يحد من كمية الأموال التي يمكن للحكومة الفيدرالية اقتراضها لتلبية التزاماتها المالية.

الجمهوريون في الكونجرس يعلنون أنهم لن يوصوتوا على رفع حدود الدين العام حتى  توافق إدارة الرئيس جو بايدن على تقليص الإنفاق وتغيير في السياسات. وقد حذرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين من أن الحكومة قد تواجه عجزًا في سداد ديونها، وأنه ببداية يونيو لن يكون لدى الحكومة ما يكفي من أموال لسداد مصروفاتها.

وإذا فشل الكونجرس في رفع سقف الدين، ستكون هناك عواقب اقتصادية وجيوسياسية وخيمة؛ حيث إن الولايات المتحدة تستفيد بشكل كبير من وضع الدولار كعملة أولى في التبادل التجاري. غير أن التخلف عن سداد الديون قد يقوّض بشدة من الثقة في النظام المالي الأمريكي وسيمنح ذلك الصين وروسيا دعمًا في زحزحة الدولار عن عرشه. وانهيار هيمنة الدولار- حسب بعض الاقتصاديين- قد يدمر الاقتصاد العالمي وسيضعف بشكل كبير من قوة أمريكا.

في الآونة الأخيرة تزايدت التكهنات حول قوة وهيمنة الدولار، لكن هذا الأمر قد تم تناوله من قبل؛ فقد ظل الدولار العملة الاحتياطية الأولى في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في عام 1978 بعد عام من التضخم العالي في الولايات المتحدة، انهار سعر الدولار بشدة في سوق صرف العملات مما هدد استقرار النظام المالي العالمي. وبعد انخفاض آخر في عام 1995، قال الخبراء إن انخفاض سعر الدولار سيهدد الهيمنة الجيوسياسية للولايات المتحدة. لكن الدولار استطاع أن يتجاوز الأزمة المالية (2007- 2009)، ورغم أن الدولار سيظل العملة الرئيسية كاحتياطي عالمي، لكنَّ نظامًا متعددًا من العملات الاحتياطية قد يكون في طور البزوغ من بينها طبعًا اليورو والرمبيني (اليوان الصيني). وقد دعا عدد من الاقتصاديين الولايات المتحدة الى النظر في إصلاح النظام المالي العالمي والى خفض اعتماد النظام على الدولار. إن العجز الكبير في الميزان التجاري الأمريكي، والتدفقات الكبيرة التي عادة ما تصحب العجز  الخارجي، وهيمنة الدولار قد لا تكون على المستوى البعيد من مصلحة أمريكا.

أثارت العقوبات الأمريكية على روسيا في أعقاب العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا مخاوف جديدة بشأن مستقبل الدولار. ومن الواضح أنه على مدار العقد الماضي كانت الولايات المتحدة أكثر استعدادًا لاستخدام قوتها الهائلة في النظام المالي العالمي لتحقيق غاياتها السياسية الخاصة. ولكن عرض الولايات المتحدة لعضلاتها المالية بهذه الصورة قد يجبر العالم على التخلي عن هيمنة الدولار.

يبقى السؤال: ماذا سيكون تأثير عدم استطاعة الولايات المتحدة سداد دينها، على عملات الدول المرتبطة بالدولار؟ ورغم أنه سؤال افتراضي على أساس أن الجميع يعتقد أن الكونجرس سيتوصل في النهاية إلى اتفاق مع الإدارة الأمريكية لرفع سقف الدين، لكن يظل السؤال مشروعًا، خاصة إذا علمنا أن الدين العام الأمريكي وصل إلى حوالي 31.4 تريليون دولار، وأن تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها سيكون له عواقب خطيرة على قيمة الدولار وقد يؤدي إلى فقدان المستثمرين الثقة في الدولار الأمريكي؛ مما سيؤدي إلى انهيار سعره وفقدان دوره كعملة احتياطية عالمية.

قد يؤدي تعرض الولايات المتحدة للعجز في السداد إلى أن تمتد آثار هذا الأمر عبر النظام المالي العالمي، ويمكن أن يؤدي الى اضطراب اقتصادي وعدم استقرار مالي.

باختصار.. إن عجز الحكومة الأمريكية عن السداد سيؤدي إلى عواقب واسعة النطاق وطويلة الأمد، ويبقى السؤال المطروح بما أن عملات دول الخليج مرتبطة بالدولار وكثير من استثماراتها في الأوراق المالية الأمريكية، فما سيناريوهات التحوُّط  لدى الحكومات والبنوك المركزية في المنطقة؟!

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

الأكثر قراءة