"البودكاست".. وأصبح لكل منَّا إذاعة!

 

مؤيد الزعبي **

كثيرًا ما بتنا نسمع عن "البودكاست"، وكثيرة هي القنوات التلفزيونية والمنصات الإعلامية التي بدأت بمشاركة محتواها عبر البودكاست، ولمن لا يعرف البودكاست فهو باختصار شكل من أشكال المحتوى الصوتي، جاء ليُعبّر عن البرامج الإذاعية حسب الطلب، وأشهر منصاته Apple Podcasts, Google Podcasts, Pocket Casts, Stitcher, Castbox، ولأننا في زمن نبحث فيه عن المحتوى الذي يعجبنا نختاره في الوقت والشكل الذي نريده فكان لابُد من تطور الإذاعة بشكلها التقليدي لشكلها العصري ليصبح هناك محتوى صوتي أو إذاعي تسمعه في الوقت والمكان الذي تريده.

خلال الأيام الماضية كنت حاضرًا لفعاليات النسخة الثالثة من "دبي بودفست" الذي ينظمه نادي دبي للصحافة؛ وهي المنصة والحدث الذي يجمع صناع البودكاست العربي لمناقشة سبل تطوير هذه الصناعة والوقوف على أهم التحديات التي تواجههم. والحقيقية أن مثل هذا الحدث كان كفيلًا بأن يُغير وجهة نظري عن مستقبل الإذاعة بشكل كامل. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل فعلًا البودكاست هو مستقبل الإذاعة أم أنه منافس لها، أم هو ما سيجعل الإذاعة تواجه مصير الصحف الورقية والصعوبات التي تواجهها في مقاومة الإعلام الرقمي؟!

رغم أن السؤال قد يبدو سهلًا للإجابة طالما أن التقنية تدخلت وفرضت نفسها، فلا بُد أن يكون مصير أي شيء تقليدي الموت أو الاحتضار، ولكن دعونا نتفق جميعًا على أن الإذاعة كصناعة أو وسيلة إعلامية كانت الأكثر صمودًا مع متغيرات العصر، فحتى الآن ما زال لديها متابعوها ومحبوها ومتواجدة كتقنية أو إشارة راديوية وأقصد هنا FM أو AM في معظم السيارات حتى الحديثة منها. إذن موتها غير وارد طالما هي رفيقتك في مشوارك وتنقلاتك، وهي ملاذ للكثير من شعوب العالم الفقيرة أو التي لا يصل لها تغطيات إنترنت عالية الجودة، وأنا أعلم عزيزي القارئ بأنك ستسأل هل يعني ذلك أن البودكاست منافس للإذاعة؟ وهنا يجب أن نعترف بأنها منافس قوي وشرس، خصوصًا وأن صناعها قادرين على تقديم محتوى بأذواق وطرق مختلفة يتخللها الإبداع مرة والخروج عن المألوف في مرات عديدة، وهذا ما لا تستطيع الإذاعة توفيره في ظل ضوابط مهنية واعتبارات اجتماعية وتنظيمية تقيد العمل الإذاعي، بينما في البودكاست أصبح الجميع يمتلك إذاعة بدون موجة؛ إذاعة حرة يقدم من خلالها أفكاره بالطريقة والأسلوب الذي يجده مناسبًا.

ما هو ملفت بالنسبة لي أن الكثير من وسائل الإعلام العالمية بما في ذلك القنوات الإخبارية المشهورة بدأت تخصص مساحة جيدة لمحتوى البودكاست، وتجد هذه القنوات حاضرة ومتواجدة في العديد من منصات البودكاست، وليس هذا فقط؛ بل إن العديد من الشركات والمؤسسات الحكومية بدأت تنظر إليها كوسيلة للتعريف بخدماتها أو الترويج لمنتجاتها من خلال بودكاست يقدم شروحات معينة حول طبيعة هذه المؤسسات أو تقديم بعض النصائح لرواد هذه المؤسسات، وهذا التنامي في استخدام البودكاست يجلها صناعة قابلة للتطور في قادم السنوات، ولن يقف الأمر عند هذا الحدث طالما أصبح للبودكاست متابعين ومشاهير وصناع محتوى ورواد.

بوجهة نظري.. البودكاست لا يقل أهمية كمحتوى عن أي محتوى يقدم سواء عبر المنصات الرقمية أو من خلال الإعلام التقليدي خصوصًا وأننا كبشر مرتبطون ارتباط وثيق بحاسة السمع ولدينا الكثير من الوقت الذي نقضيه في يومنا ونحن باستطاعتنا سماع المحتوى لا مشاهدته ولا حتى قراءته؛ ونحن في السيارة، ونحن نلعب الرياضة، ونحن نتمشى أو حتى نتأمل سقف غرفتنا قبل النوم، كل هذه الأوقات وجد البودكاست طريقًا لشغها واستغلالها، ووجد فيها صناع البودكاست وقتًا مستقطع يجب استثماره لتقديم محتواهم.

في النهاية يجب أن نعرف أمرًا ما؛ أن الإعلام هو وسيلة من عدة قوالب لتقديم محتوى أو فكرة معينة؛ والأساس في كل هذا هو المحتوى وطبيعته وتأثيره وشكله، ومهما كانت الوسيلة في النهاية الجمهور هو سيحدد الطريقة التي تعجبه في تلقي هذا المحتوى وهو من سيختار المنصة التي تناسبه، ولهذا لا يمكننا القول إن البودكاست مستقبل الإذاعة ولا أنه فقط منافسها، ففي دولة ينتشر فيها الانترنت بطريقة كبيرة يمكننا أن نقول ذلك، ولكن في دولة أخرى ربما يكون الحال مختلف ومغاير، وهنا علينا جميعًا سواءً كُنا متابعين أو صناع محتوى أو حتى مسؤولين في مؤسسات إعلامية، أن نجد الطريقة والوسيلة التي من خلالها نقدم محتوانا بصرف النظر المسميات والقوالب، وطالما أن البودكاست نافذة فتحت أمامنا فلنطرقها كمستمعين ومتابعين ولنقتحمها كصناع محتوى وصناع قرار في المؤسسات الإعلامية.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط

الأكثر قراءة