لماذا الأحكام المُسبقة؟

مدرين المكتومية

نميلُ في ثقافتنا العامة وفي الكثير من المواقف الى إطلاق أحكام مُسبقة على الآخرين دون أن نُكلف أنفسنا معرفة حقيقة الشخص ومدى تقاطع الأحكام المسبقة التي أطلقناها ذات مرة. حيث إن هناك صورة نمطية سائدة حول إطلاق الأحكام مرتبطة بالكثير من الأسباب من بينها اللون والجنسية أو القبيلة، فنقوم بدون أن نختبر هؤلاء الأشخاص بإطلاق أحكام جزافا عليهم.

ولا أبرئ نفسي في مواقف كثيرة من هذا الأمر، لكنني سرعان ما أعود لنفسي لأراجعها، وأكتشف أنه ليس من حق أي أحد منا أن يطلق حكمًا مُسبقاً على غيره، ولا نسمح لأنفسنا أن نعمم تلك الأحكام.

التعميم صفة خطرة، وهو الأمر الذي يجعلنا عند ممارسة عملنا الصحفي أن نقول "البعض، عدد من، مجموعة من... إلخ" دون أن نُعمم على الجميع؛ إذ إن تلك الأحكام فقط تعكس نظرتنا الأولى لهم، فليس كل البشر ملائكة ومتسامحين، وليس كلهم أشرار أو أوغاد!

عندما أتحدث عن هذا الموضوع فإنني أتطرق لأهميته ومدى خطورته في ذات اللحظة، فليس من المعقول أن نترك أنفسنا عرضة لتعميم أحكام على أشخاص من خلال فقط ما سمعناه عنهم، أو ما قيل لنا عنهم، دون أن نختبر ذلك بأنفسنا، أو أن نترك الأمر بيد نظرتنا الأولى بحيث هي من تقرر مدى إعطاء الشخص فرصة ومدى رفضه منذ البداية.

إننا في مجتمع كأي مجتمع لدينا اختلافاتنا سوى في الشخصية، أو الشكل واللون وربما حتى في التعامل، لكن ذلك لا يسمح ولايعطي أي شخص الحق في أن يعطي رأيا عنَّا دون أن يمنح نفسه فرصة التعرف علينا عن قرب، أو معرفة الأسباب التي تجعل كل شخص لديه طريقته في التعامل التي قد لا تعجب البعض، لذلك دعونا نحاول جاهدين إعطاء مساحات من الفرص، ومساحات من التفكير في من هم أمامنا قبل أن نقرر ما إذا كانوا يستحقون فرصة التقرب منهم أم لا.

علينا أن ندرك تمامًا أن هؤلاء البشر هم إخواننا في مواقع مختلفة، وأصدقائنا في حياة آخرين، ولكنهم ليسوا بالضرورة أيضا يجدون القبول من الآخر، حتى وإن كنا نراهم بنظرة مختلفة ونحن نرى أنهم أفضل الناس وأحسنهم ولكنهم في الحقيقة قد لا يكونوا أيضا في عيون غيرنا سوى أشخاص يطلق عليهم غيرنا أحكاما أخرى.

كما إن هؤلاء البشر هم أنفسهم من ربما تضطرنا الأيام للعمل معهم، والعيش بينهم، فلابد أن لا نكون أشخاصا سريعي الحكم على غيرنا، وعلينا أن نحاول جاهدين أن نمارس "القبول" قبول الأشخاص بما هم عليه، وأن نساهم في نشر ثقافة قبول الآخر وتقبل حياته كما هي، والنظر لكل منهم بحقيقة القصة التي عاشها والتي لن تكون قصتنا في يوم ما.

لنعلم جيدًا أن كل شخص منا تضطره الحياة لأن يكون غير الشخص المتوقع في كثير من المواقع، وعلينا أن نعلم أن الله قد خلقنا مختلفين، ولكنه جعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف، ونكتشف اختلافاتنا ونقبل بها لنستطيع أن نعيش بسلام داخلي، فالشخص القادر على استيعاب كافة الأشخاص من حوله، هو بالطبع شخص بطبيعته يعاني الكثير لأن الأمر صعب جدا أن تحاول جاهدًا أن تقبل الناس باختلافاتها، وأن لا تسمح لعينك أو عقلك أن يطلقا أحكاما مسبقة عليهم.

وأخيرًا.. علينا أن نحارب دواخلنا لكي تبذل كل ما في وسعها للتعاطي مع الأشخاص كل حسب شخصيته، وجنسه ولونه، وطبيعته، وأن لا نرفض الآخر بسبب لا دخل لنا فيه كبشر، إنما هي أقدار الله.