حمد بن سالم العلوي
استهل الرئيس الأمريكي جو بايدن مشواره الرئاسي قبل سنوات، بتصريح خطير، وذلك عندما قال؛ إنه سيجعل من المملكة العربية السعودية "دولة منبوذة"، فَسُرَّ أعداء السعودية بهذا الخطاب، وامتعض أحباؤها وأصدقاؤها من خطورة ما هو قادم على السعودية من متاعب ومشاكل، وظل الجميع في ترقب حذر، وعندما زار بايدن السعودية في العام الماضي، لم يُصافح الأمير محمد بن سلمان، بايدن، حسب البروتوكول، وإنما التقاه بقبضة يده، وذلك كتعبير عن تضرر العلاقة بينهما.
ولكن الأمير محمد بن سلمان، كان له قراره الخاص الذي يرد فيه على وعد بايدن بنبذ بلاده، وذلك عندما قرر رد الصّاع بألف صاع، وأن يجعل أمريكا هي المنبوذة في الساحة الإقليمية والعربية، فقرر بداية أن يخرج من العباءة الأمريكية إلى الفضاء الحرُّ الفسيح، فغيّر وجهته باتجاه الشرق (روسيا والصين) ورفض الإملاءات الأمريكية، وذلك فيما يخص السياسة النفطية وفي مواقف أخرى كثيرة، ثم رفض اتخاذ أية مواقف متشنّجة من موسكو، كما تفعل أمريكا والغرب الآن.
وزاد إمعانًا في الخروج على الغرب، وذلك بقبول وساطة الصين بين السعودية وإيران، وهنا بدأ يظهر الفارق الكبير بين الأمس واليوم، فالعداء الذي تسوق له أمريكا مع إيران، أصبح أمرًا مرفوضًا من السعودية، وأن القرار السيادي السعودي يتخذ من الرياض، وليس من أي مكان آخر، فأتبع هذا القرار بقرار وقف الحرب على اليمن، والانخراط في محادثات مباشرة مع (الخصم المفترض) اليمن، كبداية في حل المشكلة اليمانية بالتفاهم، دون الاستماع إلى الرأي الأمريكي.
ثم أتبع ذلك بالانعطافة الجريئة باتجاه سوريا، وليس ذلك وحسب، وإنما باشر بالسعي في رأب الصدع ليس بين البلدين وحدهما، بل بين سوريا والعرب جميعًا، وعبر جامعة الدول العربية، فكان للسعودية ما أرادت، فتم رفع قرار التجميد الذي أبعد سوريا عن عضوية الجامعة، وكل ذلك برعاية سعودية جادة، وخلافًا للرغبة الأمريكية.
وأظن جازمًا هنا أن المصالحة بين السعودية وإيران، قد سرّعت زيارة الرئيس الإيراني لسوريا، وهناك زيارة موعودة للسعودية ذاتها من الرئيس إبراهيم رئيسي، فلو لا العلاقة الجديدة الطيبة التي بين السعودية وإيران، لربما تأخرت هذه الزيارة لبعض الوقت، وانعدمت الموافقة على زيارة السعودية.
إذن؛ هذه الحلحلات المتسارعة التي تحدث الآن على الساحات الإقليمية والعربية، ما كانت لتكون بهذه السلاسة والسهولة، لولا مشروع التصالح الذي يجري بخطوات حثيثة بين البلدين الكبيرين في الإقليم السعودية وإيران، وبالوساطة الصينية وعكس الرغبتين الأمريكية الإسرائيلية.
ولا استبعد أن يكون المخاض الذي يتشكل الآن لولادة عالم متعدد الأقطاب، بقيادة روسيا والصين، قد أعطى دفعة كبيرة من الأمل، بأن أمريكا والغرب ليسا بالقدر المحتوم، والذي سيظل مهيمنا على العالم في المستقبل البعيد.. ولا حتى القريب، وأن القوتين الأساسيتين العسكرية والاقتصادية، سوف تصبحان بيد الصين وروسيا، وأن نجم الغرب أمسى آيلا إلى الأفول لا محالة.
وتقول الحكمة؛ إن كان للظلم جولة، فللحق جولات وجولات، وإن للكون خالق عظيم عادل يُسيّره، ينصر من ينصره ويخذل الظالمين، وقد أكد الله عز وجل أنه لا تأخذه سنة ولا نوم عن تصريف أمور خلقه في الأرض وفي السماء، وقد قال في محكم كتابه العزيز: (.. وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40] وأن الله يُمهل ولا يُهمل.
إذن؛ الطغيان الأمريكي والتمادي في ظلم الشعوب، قد كسر حاجز الصبر والاحتمال، وإن الإصرار على نشر الرذيلة والفساد حول العالم بالقوة والترهيب، سيكون وبالًا على أمريكا ومن لف لفها من دول الغرب، وأن أسلوب النّبذ والحصار والمقاطعة، وإن من لم يكن مع أمريكا فبالضرورة ضدها، قد جعله الله حقًا كذلك، وإن الذين يحاربون الله ورسوله في شرعه وملكوته هم الخاسرون.
وصدق الله تعالى إذْ قال: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63] لم يكن أحد ليصدق؛ أن المملكة العربية السعودية ستخرج بهذه السهولة من براثن التبعية الأمريكية، وأن الصلح بين السعودية وإيران سيتم على يد الصين البعيدة جغرافيًا عن المنطقة، فكل ذلك قد أتمته التقادير الربانية، ويظهر ذلك أمام أعيننا، على أنه بدافع من الحكمة التي تقول: ربَّ ضارة نافعة، ولكن الإيمان بالله يقول؛ كان أمر الله مبرمًا ملزم النفاذ.
إنَّ الأمة العربية اليوم؛ في معترك تحول جديد، يقوم على التعاون والتعاضد في حل المشكلات البينية.. وسد الثغرات، تلك الثغرات التي حدثت بغفلة من الجميع، وهذا الجميع كُتب عليه، ألا يقرأ ويستنتج مما يدور حوله، وألا يعترف بالتأريخ كموجه له لاستشراف المستقبل، وإنمّا أصبح قدره أن يجرب المجرب، ويصطدم هو ذاته بالواقع، وعندئذ.. وبعد التجربة، يعود ليتلمس المخرج إلى بر الأمان، ولا يهمه إن خسر أو انكسر، وهكذا الحال منذ أزمة مقاطعة مصر؛ فالعراق ثم سوريا، وإهمال التفاعل مع ليبيا والسودان ولبنان واليمن والصومال في أزماتها، وحتى تونس والجزائر قبل ذلك؛ بل كان البعض يتآمر عليهم، والتناسي عمدًا قضية فلسطين والتآمر عليها مع العدو الصهيوني.. فهل نحن على أبواب صحوة كبيرة، تقودها السعودية والتي تملك المال والجاه اليوم، وذلك للخروج بالعرب من أزمات الفرقة والشرذمة، وهل سوف نصبح حقًا خير أمة أخرجت للناس؟!