مؤيد الزعبي **
وأخيرًا أصبح لدينا كمبيوتر قادر على أن يجد الإبرة في كومة القش، بل قادر على إيجاد مليارات الإبر في مليار المليار من أكوام القش، فلك أن تتخيل أن الكمبيوتر الكمومي قادر على القيام بمليار مليار عملية حسابية في الثانية، أي أننا أمام وحش ضخم بقدرات خارقة ليس قادرا على القيام بالعمليات الحسابية فقط بل قادر على إيجاد الخيط المناسب للإبرة المناسبة.
كثيرًا ما سمعنا خلال الفترة الماضية ما يُعرف بالكمبيوتر الكمومي والقدرات الحسابية الخارقة لهذه الأجهزة، وكيف سيبنى عليها الكثير من التطورات المستقبلية في الكثير من القطاعات، وبوجهة نظري أن الكمبيوتر الكومي كاكتشاف لا يقل أهمية عن اختراع الطباعة أو حتى اختراع الإنترنت أو حتى الحاسوب نفسه، فالطريقة التي يعمل بها الكمبيوتر الكمي تختلف عن الطريقة التي يعمل بها الكمبيوتر الكلاسيكي، ويا للعجب أن الكمبيوترات بات يقال عنها "كلاسيكية" أي أننا أمام طفرة كبيرة وهذه حقيقة يجب أن ندركها ونكتشف إمكانياتها، وهذا هو مناط طرحي في هذا المقال.
حتى نفهم الفرق بين الكمبيوتر الكمومي والكمبيوتر العادي يجب أن نعود لجوردن مور أحد مؤسسي شركة انتل والذي قال إن قدرة الكمبيوترات الحسابية سوف تتضاعف كل 18 شهرا، وليس هذا فقط بل قال أيضًا إنها ستصبح أصغر وأرخص النصف كل 18 شهرا وهو ما عُرف عام 1965 بقانون مورس Moore’s law، ولكن هذا الرجل نفسه تراجع عن قوله إلى حد ما فمع تطور صناعة المعالجات Processors وصغر حجمها لحد لا يمكن تصغيره أكثر من ذلك لأن صغر حجمها أدخلنا في قوانين فيزياء الكم، ولهذا ظهر لنا العالم بالكمبيوترات الكمومية لتستغل قلة حيلتنا في تصغير المعالجات ونحولها لأداة فعالة لعمليات حسابية أكثر وأسرع وأعقد.
العالم اليوم يتصارع لامتلاك الحواسيب الكمومية وباتت كل دولة تحاول أن تجد لنفسها مكانة في هذا التطور، وقد استطاعت الصين في عام 2021 بناء الكمبيوتر الكمومي الأسرع في العالم من قبل الجامعة الصينية للعلوم والتكنولوجيا (USTC) وهو ما تم تسميته Zuchongzhi 2.1، وهو أحد أنظمة الحوسبة الكمومية أقوى بمليون مرة من أقرب منافسيه "Google Sycamore". التابع لشركة جوجل وقد خصصت الصين 15 مليار دولار من التمويل العام على مدى خمس سنوات بين عامي 2020 و2025 للاستثمار في التقنيات الكمومية، وحتى في عالمنا العربي فقد شرع فيزيائيو الكم بـ«معهد الابتكار التكنولوجي» في أبوظبي من صناعة أول حاسوب كمومي في الشرق الأوسط، وهذا يدل على الاهتمام الكبير من قبل دول العالم لأن تكون على خارطة المستقبل في التقنيات الكمومية.
لو تفكرنا بمحيطنا في الطبيعي فسنجد بأن جميعه يمتثل لفيزياء الكم، فأصل كل شيء من حولنا من ذرات وإلكترونات، والترابط فيما بينها يعتمد على فيزياء الكم، فتخيل معي عزيزي القارئ عندما نستخدم فيزياء الكم نفسها لنفسهم وندرس كل شيء من حولنا، والتي عليها سنتمكن من تحسين أداء نماذج التنبؤ سواء للخدمات أو الاستكشافات أو حتى الظروف والكوارث.
إن امتلاكنا حواسيب بقدرات حسابية كبيرة بهذا الحكم وأن نقوم بربطها بأنظمة الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة نحن نكون أشبه بمن يصنع معجزة حقيقية، فهذه الحواسيب ستساعدنا على دراسة مليارات الاحتمالات لتصل للاحتمالية المستهدفة التي نريدها ضمن ظروف متغيرة، وهذا ما كان مستحيلًا في الحواسيب الكلاسيكية التي ستحتاج للكثير من الوقت للقيام بكل هذا أو ربما لن تستطيع.
حتى نفهم كيف يمكننا الاستفادة من الحواسيب الكمومية في حياتنا، تخيل معي أننا نريد معرفة المسارات الجوية المناسبة التي يمكن للطيارين استخدامها أثناء العواصف أو الكوارث الطبيعية غير العادية، تخيل حجم المتغيرات في هذا الطلب البسيط، سرعة الرياح شدتها في كل منطقة ومنطقة، ملايين خطوط الملاحة الجوية، وعدد الطائرات المتواجدة في الجو حاليًا، وتأثير العاصفة على كل نقطة في هذا المسار وتأثيرها على المطارات وحركتها قدراتها اللوجستية وسلامة خطوط الاتصال والكهرباء في كل منها، ومئات الاحتمالات والتفاصيل الأخرى؛ تخيلت حجم المتغيرات والتي إن تغير أحدها سيتغير كل شيء من هذه المعطيات، لو أردنا الوصول للإجابة بواسطة كمبيوترات عادية سوف تخذلنا، ولكن مع الكمبيوترات الكمومية سنتمكن من ذلك.
دعونا من الكوارث، لو أردنا دراسة أي مركب كيميائي وتفاعلاته في ظروف ومتغيرات معينة ومحاكاة هذا الأمر بواسطة الكمبيوتر الكلاسيكي فلن ننجح في ظل متغيرات كثيرة ومعقدة ربما تؤثر على موضوع دراستنا ولكن الكمبيوتر الكمومي سيقوم بملايين العمليات الحسابية في لحظة واحدة فيمكننا من دراسة التفاعلات الكيميائية والنووية وكل ما هو معقد في مخيلتك.
في المستقبل ستساعدنا الكمبيوترات الكمومية على اكتشاف أدوية وعلاجات وتجد لنا حلًا مع السرطان الذي يدخل في فهمه ملايين المتغيرات المعقدة، وسنتمكن من دراسة الفضاء ومتغيراته الكبيرة وتأثير كل شيء فيه على بعضه البعض، وما هذا إلا جزء من إمكانيات التقنيات الكمومية التي ستتطور كثيرًا في قادم الأيام ويمكننا الاستفادة من قدراتها لدراسة ما نراه اليوم مستحيلًا.
** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط