القطاع الخاص.. والمعادلة المفقودة

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن تسريح عدد من المواطنين من شركاتٍ كبرى، قد يصل العدد إلى العشرات، وأحيانًا إلى المئات، وقد يكون بعضهم أمضى أكثر من ثلاثين عامًا على رأس عمله، بتفانٍ وإخلاص، ورغم ذلك لم يُلتفت إلى تلك الروح العالية، وفي كل مرة نضع يدًا على قلوبنا خوفًا وهلعًا من مستقبل أولادنا في القطاع الخاص.

هذا القطاع الذي ما فتأت الحكومة تروّج له على أساس أنه المنقذ للاقتصاد الوطني، والمشغّل الحقيقي والمستقبلي للباحثين عن عمل، وأنه هو الخيار الأكثر استقرارًا وازدهارًا للباحثين عن الثراء، وعملت الحكومة على استصدار القرار تلو القرار من أجل مساواته بالقطاع الحكومي، وتقليل الفجوات بين القطاعين لجذب الخبرات، والمهارات، دون التفاتٍ إلى ما يمكن أن يسببه ذلك من تفريغ القطاع الحكومي من الكوادر الفنية، والمهنية، والإدارية لصالح القطاع الخاص.

ولكن في المنتصف تقع العقدة، وتتشابك المسارات، فالقطاع الخاص بوضعه الحالي- كما يبدو ورغم كل الإغراءات الإعلامية والترويجية- ليس هو القطاع الأكثر استقرارًا، ولا هو القطاع الأكثر ثباتًا وقوة في هيكل الاقتصاد الوطني، فكثير من الشركات الكبرى أغلقت أبوابها، وسرّحت موظفيها العمانيين، ورمت بهم في وجه العاصفة، مكبّلين بالديون، ومطاردين في المحاكم، ومطلوبين للعدالة، ومهددين بالسجون، وبعض هذه الشركات استغل ثغرات القانون، وعمل على المناورة والمساومة لتقليل رواتب الموظفين، متعللة بقلة الأعمال، وتداعيات "كورونا"، وزيادة التضخم العالمي، وغير ذلك من أعذار، حسب سيناريو مرسوم، ومكرر، وبخطوات متشابهة، يقوم على الخطوات التالية.. "التهديد بالتسريح، ثم الدخول في مفاوضات مع العمال والجهات المعنية، وبعد أن يتم الاتفاق يعود العاملون إلى الشركة بعقود جديدة، وأجور قليلة".

لا أعلم حقيقة تلك الأرقام التي تعلنها وزارة العمل بين فترة وأخرى، حول تشغيل "آلاف" الباحثين عن عمل، حتى أخال أن "الظاهرة" في طريقها للزوال؛ بل إنها تكاد تكون زائلة لا محالة، فإذا بالواقع يقول خلاف تلك الأرقام، ونشاهد حبل التسريح يزداد طولًا وعرضًا، وأن هناك عالمًا متداخلًا بين تصريحات المسؤولين في الوزارة وبين الواقع المعاش.

ولا شك أن القطاع الخاص في بلد صغير كسلطنة عمان، لا يتعدى تعداده السكاني الخمسة ملايين نسمة، بما فيهم الوافدون، لا يملك كثير منهم قوة شرائية كبيرة، ومتوزعون على مساحة شاسعة من الأرض، متفاوتة الكثافة والعدد، كل ذلك لا يجعل من هذا القطاع- بوضعه الحالي- هو الخيار المثالي للمستقبل، فعدد الشركات الكبرى التي يمكن الاعتماد عليها قليل، وهي تعاني، ولها ظروفها، وحساباتها المالية، ولا أعتقد أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية قادرة على لعب دورها المعوّل عليها، فمعظم هذه المؤسسات بحاجة إلى "عكاز" الحكومة، والاعتماد على المشاريع والمناقصات الحكومية حتى يشتد عودها، وتساهم بشكل واضح في الاقتصاد، ولذلك تبقى هذه الفئة من الشركات ذات عائد اقتصادي محدود للغاية، وغير مغرية للباحثين عن عمل، لأنها تحتاج إلى دعم حكومي على المدى القصير والمتوسط حتى تقف على أرجلها، وتسير على أرضية صلبة تمكنّها من السير بمفردها.

وفي كل الأحوال، هناك جزء من "معادلة القطاع الخاص" لا تزال دون حل، ويجب البحث بواقعية وبسرعة عن هذه الجزئية المفقودة، ومعرفة أين يكمن الخلل.. هل في التشريعات؟ أم في الإدارات؟ أم في بيئة العمل؟ أم في فرص التشغيل المتاحة للقطاع الخاص بشكل عام؟ ومن ثم وضع الحلول المناسبة لسد هذه الثغرات؛ لأن ترك الحبل على الغارب، واكتفاء المسؤولين بالمشاهدة دون علاج، سيجعل من طوابير المُسرّحين تطول، والمشكلات الاجتماعية تتفاقم؛ بل وحتى الباحثين عن عمل الذين يخططون للالتحاق بالقطاع الخاص، لن يشعروا بالاستقرار، والأمان الذي يطمحون إليه، وهم يعلمون أن مصيرهم- في أي لحظة- معلق بورقة تسريح من الشركة دون إبداء الأسباب.