عِشْ اللحظة

 

سالم البادي (أبو معن)

 

حياة الإنسان عبارة عن لحظات وأوقات قد تكون قصيرة أو طويلة، وهي تتغير بصفة مستمرة وحسب متغيرات الظروف والتحديات المحيطة، وقد تؤثر بلا شك في قراراتنا وردود أفعالنا وسلوكياتنا، وتتخللها لحظات أفراح في القلب، ولحظات تعاسة وحزن وأسى وقلق قد ينقبض فيها القلب وينفطر، فهي محطات كثيرة تمر علينا منذ ولادتنا وحتى آخر لحظة في عمرنا، فتارة ترسم في قلوبنا الابتسامة والسعادة وأجمل المعاني الحياتية، وتارة أخرى عكس ذلك، فتسرق منَّا أجمل القيم والمبادئ والمعاني.

وحياتنا كما أسلفنا هي عبارة عن مجموعة من التفاصيل(السلوكيات والقيم والمبادئ والعادات والعبادات) التي تشكل سلسلة من أحداث يومية ووقتية تسمى حياة، والناجح والفالح في هذه الحياة هو من يرتقي بهذه التفاصيل الى هدف معين ينتفع به الإنسان لنفسه أو لمجتمعه أو لوطنه أو للبشرية جمعاء.

هذه التفاصيل هي بين السعادة والتعاسة، و كلاهما يلزم الإنسان بأن يعيش لحظاته بتفاصيلها؛ ونحن حتى نعيش حياتنا يعني أن نعيش تفاصيلها وأحداثها برمتها، دون أن نهرب منها ومن مواجهة التحديات الحياتية المقلقة فيها، بل يتحتم علينا أن نعيش اللحظة ونواجه تحديات الحياة بحيثياتها، دون أن تفقد ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بربنا تعالى، وأن نحافظ على حياتنا بقدر المستطاع وأن لا ندع اليأس والخوف والتخاذل والتقاعس يتملكنا ويبعدنا عن تحقيق طموحاتنا.

إن لذة العيش الحقيقية هي أن تعيش لحظات حياتك وتقتنع بأنك ستعيش حياة واحدة في هذه الدنيا، وأن تؤمن بالقضاء والقدر المحتوم في سائر أمورك الحياتية سواء كان خيرا أم شرا.

ويكون الاستمتاع بلذة الحياة و باللحظات الآنية في أبهى حللها عندما تتحقيق طموحاتنا وأهدافنا، وعندما نكون مع من نحبهم، وعندما يصل عمل الخير في أسمى تجلياته وأعلى درجاته، وأن الاستمتاع بكل لحظة، شيء جميل وممتع للروح البشرية ويمنحها النشاط والحيوية والصفاء الذهني والحماس لبذل المزيد من الجهود والأعمال التي تجلب لنا دائما السرور والمحبة والتألق والمضي قدما نحو مستقبل أفضل بإذن الله تعالى؛ فيجب أن لا نبخل في إسعاد من نحب بحيث نكون سببا في إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الناس.

وحتى نعيش اللحظة بتفاصيلها نوجز بعض المقترحات، عش لحظات العمر كما تحب، فحياة الإنسان لا تتوقف عند خيبات الأمل والفشل، ولا يتوقف عمره عندما توقف عقارب الساعة، فالسقوط ليس نهاية المطاف، بل محاولة النهوض والسير والمتابعة في الوصول إلى تحقيق الأفضل. وأثبت على محافظتك والتزامك وتمسكك بقيمك ومبادئك، فمهما التزمت بقيمك ومبادئك وحافظت على أخلاقك بالمقابل ستجد من يعارضك وينبذك، ومهما كانت تصرفاتك وسلوكياتك صحيحة وسليمة بالمقابل ستجد من يعارضك، هكذا هي طبيعة وسيكولوجية البشر، لا تستطع أن تغيرها ولا تستطع إرضاءهم، ولن تجدهم على رأي واحد أبدا، لذا لا تكترث لهم أبداً ولا تصغ لتناقضاتهم حتى لا يحبطوك ويؤخروك عن مواصلة دربك.

وحتى تعيش لحظات حياتك بسعادة فلا تعش حياة غيرك، ولا تقول كلام غيرك، ولا تشارك برأي ليس برأيك، ولا تلبس لباس غيرك، ولا تتصنع أبدا، وكن أنت كما أنت.

وعليك بالتقرب من الله تعالى دائما وأبدا وشكره على النعم التي أغدقها علينا ونرضى بما قسمه لنا، بالمقابل لا بد أن نصبر على المحن والمصائب لأنها ما كانت لتحل بنا إلا لحكمة يعلمها الله وحده، فقال تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) سورة البقرة آية: 216.

ولا بُد أن نتوقف عن العيش في الماضي، حتى لا نقع في مطب الإدمان ونعيد ونسترجع ذكريات ونعيش بالماضي وننسى حاضرنا الذي نعيشه ومسؤولياتنا وواجباتنا، كما أن العيش بالماضي يرهق ويتعب الإنسان ويبعده عن الاستمتاع بلحظات حياته، بالتالي يدفعه للشعور بالقلق والخوف طيلة حياته من المجهول.

وعليك بالتقليل من التفكير في المستقبل، فإن التفكير بالمستقبل وبشكلٍ مبالغ فيه، والانشغال بالتخطيط له، يحرمك من عيش اللحظة.

وحاول أن تتقرب وتستفيد من الاشخاص الإيجابيين وتبتعد عن السلبيين، كما يجب ان تتعايش وتتاقلم مع متغيّرات الحياة، وتعمل بذكاء مع كل ما يؤدي للفشل.

وقُمْ بكل ما يجلب لك السعادة والراحة والطمأنينة وابتعد عن كل ما يكدر صفو جوك ويجلب لك التعاسة، وفكِر بإيجابية دائما حتى ولو في أصعب الظروف، وعود نفسك بأن الصعب يصبح سهلا، والضيق يتبعه الفرج.

علينا أن نتصالح مع أنفسنا أولا ونتصادق مع حاضرنا، ولا بأس بالتعريج على زيارات قصيرة للماضي الجميل حتى نستلهم ونستمد منه الخبرات والمواعظ والحكم التى تعيننا في العيش بسعادة دائمة.

عش اللحظه ولا تتردد، واستغل لحظات العمر ولا تهملها ولا تخسرها ولا تضيعها في البحث عن المجهول، حتى لا تقعد نادما متحسرًا.

وابتسم، وكن سببًا في إسعاد من حولك، فإن في الابتسامة راحة وصحة واطمئنان واستقرار عاطفي.

وأخيرًا.. عش حياتك، وأصنع لنفسك يومًا جميلًا قد لا تعش غيره، وكن دائمًا واثقًا مُستعينًا متوكلًا على الله؛ فهو علّام الغيوب وهو الكبير المتعال، بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير.