سارة بنت علي البريكية
تحركت هيئة الدفاع المدني وفرق البحث الميداني إلى الموقع المطلوب لبدء عملية البحث عن المفقود الغريق، تحرك جميع الأهالي وفرق الإنقاذ الأهلية والمواطنين، تحرك قلب "أبي أيوب" باتجاه الرحلة الأخيرة التي حملت ابنه أيوب ذي الواحد وعشرين عامًا إلى سد وادي ضيقة في رحلة للترفيه عن النفس وللاستمتاع بما تبقى من إجازة عيد الفطر، ولتغيير الروتين الذي يحيط بالجميع.
ولأنَّ بلادنا تزخر بالمواقع السياحية الجميلة، فإنَّ كثيرًا من الناس يفدون إليها وكثير من الأنفس تتطلع للاستراحة فيها ولقضاء أمتع وأجمل الأوقات، إلا أنه في أحيان كثيرة ما أشبه البارحة باليوم، فالأقدار في علم الله وما علينا إلا أن ننفذ أوامره تعالى، فلا تدري نفس أين يأتيها أجلها؛ فالناظر إلى الأمكنة تبدو له مغرية، والسارق ببصره نظرة من هنا وهناك قد لا يعلم ما وراءها. تلك هي قصة أيوب الذي لفظ آخر أنفاسه في الوادي؛ لتنتهي بذلك حياته ويطوى سجله ذي الواحد والعشرين ربيعًا.
وفي مثال عظيم على الصبر والجبر، كان هناك والد أيوب وفي مثال للقوة والشجاعة كان والد أيوب يعطينا دروسًا مجانية بأن هناك رب كبير وعظيم يعطينا الأمانة ويأخذها متى ما حان وقتها والذي هو علينا أن نصبر ونحتسب الأجر وعلينا أن لا نجزع؛ فالله أحنُّ علينا وأرحم منَّا على أنفسنا. ورغم أن الغرق أمر مؤلم على الأنفس، يبقى الغريق شهيدًا، وهذا هو العزاء. وأن يرحل فلذة كبدك غريقًا سيكون وقع الصدمة كبيرًا ومؤلمًا.
كان مقطع والد أيوب المُتداول، وهو يشكر رجال هيئة الدفاع المدني والمواطنين وكافة من شارك في عمليات البحث التي استمرت ثلاثة أيام موقفًا مهيبًا، فكان يشكرهم وكأنه وجد ابنه حيًا وذهابه للصلاة وتوجهه لله وهو في أحزن أيام عمره ما هو إلا دليل واضح لصدق إيمانه وتمسكه بالله ومن عنده الله فهو لا يضيع أبدا ومن عرف الله حق معرفته فالله لن ولن يضيعه.
إن بعض المواقع السياحية التي تعد من أهم المزارات والتي تجذب السائح والمقيم لا تتوافر فيها بعض أدوات السلامة، وربما يغيب عن الكثيرين كذلك الجوانب التوعوية. صحيح أن الجهات المعنية تصدر تحذيراتها في الأنواء المناخية المختلفة، وعلى مدار العام، لكن لا توجد هناك أدوات مساعدة فورية في مثل هذه الظروف التي قد يغرق فيها إنسان، وقد تحدثنا كثيرًا في هذا الجانب الذي من المهم النظر والبت فيه عاجلًا؛ فالسياحة قطاع مهم جدًا والترويج عنه من خلال تطوير المرافق الخدمية لكل موقع مهم جدًا ويجب تطبيقه، فكلنا نعاني عندما نذهب للمواقع الطبيعية السياحية من قلة المرافق والتي من شأنها أن تعزز وتساهم في تطوير الحركة السياحية وتعزيز لموقف الوزارة المعنية بهذا الشأن.
الأرواح التي تذهب لا تعود والوجع يبقى ساكنًا في الروح والجسد الذي يرحل لا نملك أن نراه مجددًا، إلّا في الأحلام، والشوق للميت متعب وكيف ذلك بموت الأحبة وموت أقرب البشر؛ فالصبر كل الصبر والعزاء والجبر لقلب أبي أيوب وأمه وأهله وذويه؛ فرحمة الله تغشاه، وفي الجنة طاب سكناه، وطوبى لوالده وطوبى لأمه، وتحية عظيمة لرجال عُمان البواسل والمواطنين الأفاضل الذين لم يتخاذلوا في البحث وظلوا ماكثين بقرب الوادي ثلاثة أيام، ليعثروا على الشهيد بإذن الله أيوب الرحبي.. فكما غادرنا طيبًا طاهرًا نقيًا كلون عينيه وابتسامة محياه، فيا رب في الجنة ملتقاه.. فصبرًا وجبرًا يا أبا أيوب.. و"إنا لله وإنا إليه راجعون".