مؤيد الزعبي **
هل تساءلتَ يومًا لماذا كل هذا الاهتمام بعلوم الفضاء واستكشافاته ورحلاته؟ وهل فكّرت للحظةٍ أن كل الرحلات الفضائية ما هي إلّا استعراض للقوة وللقدرات التكنولوجية للدول ليكون لها السبق في كل هذا؟!
لو فكّرتَ بهذا فربما تكون مُحقًا في جانب واحد فقط، مقارنة بمئات الجوانب التي لم تلتفت لها، وواحدة منها موضوع طرحي في هذا المقال؛ ماذا لو زرعنا ألواحًا شمسية على القمر؟! ما حجم الطاقة التي يُمكننا توليدها هناك؟ وماذا لو أطلقنا محطات فضائية هدفها الأساسي توليد الطاقة من الفضاء. قد تبدو الفكرة منطقية من جانب، لكنها صعبة أو شبه مستحيلة من جانب آخر، وهذا صحيح، ولهذا تابع معي للنهاية، فربما تُغيِّر رأيك بعد أن نكتشف معًا الفوائد العظيمة لمثل هذا الأمر اقتصاديًا وبيئيًا وحتى اجتماعيًا.
حسب الدراسات، فإنَّ الألواح الشمسية الموجودة في الفضاء يُمكنها إنتاج 40 ضعفًا من طاقة الألواح الشمسية على الأرض؛ حيث إن قوة أشعة الشمس في الفضاء تبلغ نحو 10 أضعاف قوتها على الأرض، ولك أن تتخيل أن قمرًا صناعيًا واحدًا يعمل بالطاقة الشمسية أن يُولِّد نحو 2 جيجاوات من الطاقة؛ وهو ما يعادل ما تولده 6 ملايين لوحٍ شمسيٍ على الأرض، ويمكن أن توفِّر الطاقة لأكثر من مليون منزل! وهذه الأرقام بناءً على ما نملكه من تطورات في إمكانيات الألواح الشمسية في توليد الطاقة، وبالطبع سترتفع الكفاءة بشكل كبير في قادم الوقت. فهل تعتقد أن كل هذه الفوائد سيتركها العالم ولن يبحث عن وسيلة وطريقة ليستورد الطاقة من الفضاء؟
إذا كنت تعلم حقيقة الإنسان وما جُبل عليه، فستعرف أنه لن يترك كل هذه الفوائد، خصوصًا ونحن نواجه أزمات كبيرة على الأرض لها علاقة بالبيئة والطاقة والعلاقة فيما بينهما.
من حيث الفكرة، فهي مقبولة، لكن هناك مخاوف كبيرة تتعلق بالتكلفة العالية لمثل هذه المشاريع، غير أن مثل هذه المخاوف كنَّا نتوقعها عندما بدأت الألواح الشمسية في الظهور، وفي ذلك الوقت لم نجد فيها وسيلة مُمكنة لتوليد الطاقة بتكلفة منخفضة ومناسبة للجميع. واليوم بعد انتشارها وانخفاض تكاليف صناعتها وتركيبها وصيانتها ووجدناها منتشرة في مُدننا وشوارعنا ومصانعنا، وحتى بيوتنا ومدارسنا ومستشفياتنا، ولهذا حتى التكلفة العالية لنستمد الطاقة من الفضاء ستنخفض مع مرور الوقت، وسيكون الأمر أكثر سهولة في المستقبل.
فيما يخص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بإطلاق الألواح الشمسية في الفضاء، فإنَّ البصمة الكربونية الناتجة من جميع المراحل بما فيها عملية الإطلاق تقدر بنحو 50% من الانبعاثات الكربونية التي تطلقها مجمعات الطاقة الشمسية على الأرض. واليوم نجد في مُجمَّعات الطاقة الشمسية على الأرض وسيلةً مستدامة تحافظ على البيئة، فكيف بوسيلة تُوفِّر 50%، فهذه ستكون مثالية لتواجه أزمة التغيُّر المناخي، وما يُعانيه العالم من تلوثٍ وإضرارٍ بالطبيعة للحصول على الطاقة أو استخدامها.
إنَّ المشكلة الحقيقية في كل هذا، تتمثل في وجود التقنية التي نستطيع من خلالها استيراد الطاقة من الفضاء، لكن مع تطور تقنيات حفظ الطاقة والبطاريات سيكون بمقدورنا فعل ذلك. وهذا تفكير محدود مقارنة بتطور الصواريخ المُعاد استخدامها التي يُمكنها الصعود للفضاء والعودة للأرض. وهناك ما هو أبعد من هذه الأفكار قادم خلال السنوات المقبلة، خصوصًا وأن مشكلة الطاقة باتت تتفاقم، وأن أعداد البشر ستزيد بشكل كبير خلال الـ20 والـ30 عامًا المقبلة، والاستثمار في مثل هذه التقنيات سيكون أحد السبل لتوفير الطاقة والمحافظة على البيئة في نفس الوقت.
وحتى نتمكن من معالجة قضايا المناخ ومشاكل الطاقة، يجب أن نفكر خارج الصندوق؛ لأن الحلول غير الممكنة حاليًا ستكون مُمكنة في قادم الوقت، ومشاكلنا سواءً للطاقة أو للبيئة مرتبطة مع بعضها البعض، والخروج إلى الفضاء ربما يكون هو الحل أو جزء من الحل. ولهذا بدأت بعض الدول فعليًا بالتخطيط للاستثمار في هذا القطاع؛ لتبحث عن فرص ممكنة وقابلة للتطبيق لجلب طاقة الفضاء للأرض.
ليس بعيدًا عن طموحات البشر أن تزرع الألواح الشمسية على القمر، ولن أقول مستحيلًا إن عج الفضاء بمركبات فضائية أو محطات فضائية ذاتية القيادة تتمتع بقدرة عالية على السير في الفضاء؛ لتتواجد في أفضل مكانٍ يُمكن توليد الطاقة منه، ولن استبعد أن تذهب عقولنا لما هو أبعد من ذلك، من خلال بناء محطات أرضية قادرة على استقبال الطاقة من محطات فضائية تُرسلها لنا، فلا حدود للعِلم ولا حدود لطموحاتنا البشرية.
إنَّ ما أجدُه إيجابيًا وجليًا في كل هذا، أن نجد فكرة عظيمة تستطيع توفير الطاقة لسكان الأرض، دون إيذاء البيئة التي تحمينا، وتوفِّر لنا مقومات الحياة الأساسية، وإذا اجتمع هذا الهدف مع هدف المستثمرين ورجال الأعمال والشركات لإيجاد طرق رخيصة لتوليد الطاقة، ومع دعم الحكومات وتطلعاتها لحماية البيئة، فإنَّ الحلمَ سيتحقق.. هذا رأيي، وهذه تطلعاتنا كبشر، وأعتقد أننا سنراها تتحقق يومًا.
** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط