تشو شيوان **
أثارت الأحداث الأخيرة التي حدثت في السودان أزمة عالمية وشرق أوسطية جديدة، وراحت الكثير من التكهنات ترصد وجهة نظر الصين حول هذه الأزمة، فيما راح البعض يتساءل عن مسؤولية الصين كدولة عظمى تجاه هذه القضية، في حين أن الصين تنظر إلى الأمر من منظور صيني يجهله الكثيرون؛ فالصين لا ولن تتدخل أبدًا في قضايا محلية تخص شعب ودولة معينة وتكتفي دائمًا بالمطالبة بتغليب الحوار على العنف والصراع، وهذا هو ما كان عليه الموقف الصيني الرسمي.
خلال الأيام الماضية ركزت الحكومة الصينية على إجلاء رعاياها من السودان، وقدمت المساعدة للكثير من رعايا الدول الأخرى ونقلتهم لمناطق آمنة، وهذا تصرف يمكن وضعه تحت بند مسؤولية الدول الكبيرة تجاه شعوب ورعايا مدنيين وجب إجلاؤهم وانقاذ حياتهم. وهكذا هي الرؤية الصينية تجاه أي ملف عالمي؛ المصالح والاعتبارات الإنسانية فوق كل شيء وفي المقام الأول وهذا هو واجبها الذي تقوم به بكل احترافية تجاه مواطنيها في مناطق الصراع والنزاع، وهنا المهمة الصينية قد نجحت وتم إجلاء الرعايا.
أما خطوة الصين اللاحقة، فمن المؤكد أن الصين لن تقف في صف طرف من أطراف الصراع في السودان على حساب طرف آخر؛ بل على العكس الصين تقف على مسافة واحدة من الجميع لكي تضمن أن تكون على الحياد تجاه قضية تخص شعب آخر. على العالم أن يعي أن الصين لا تمارس الوصاية على أحد؛ بل تقف وقفة الصديق مع الجميع لتسهل العمل الإنساني والسياسي أن أتيحت الفرصة.
وفي تصريحات إعلامية، يقول مازن حسن الخبير الدولي والخبير في الشأن الصيني، إن هناك ثقة من الأطراف السودانية في الصين، التي طالما اتسمت علاقاتها بالسودان بأنها "جيدة"، وعلى هذا تبقى الصين طرفًا أكثر قبولًا إذا تدخلت في وساطة مع الاتحاد الإفريقي. واتفق تمامًا مع رأي الخبير الدولي؛ فالصين علاقتها جيدة مع السودان والصين الشريك التجاري الأول للصين، وبعكس الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول؛ فالصين تجد في استقرار السودان مطلب وغاية فيها فائدة للجميع ودخول الصين كوسيط للحوار والسلام للأطراف المتنازعة في السودان سيكون خطوة لاحقةً إن تهيأت الظروف المناسبة، ورؤية الصين كشريك مناسب للسلام في السودان من قبل المعنيين بالشأن السياسي في الشرق الأوسط، أجده استمرارًا لنجاحات الصين الدبلوماسية والتي أثبتت صدق النوايا الصينية تجاه دول العالم خصوصا الدول الفقيرة.
الصين علاقتها مميزة بالدول الأفريقية ولدينا شراكات كبيرة مع الاتحاد الأفريقي والسبب يعود للمساهمات الصينية في رفع كفاءة البنية التحتية في الدول الأفريقية ومساعدة شعوبها في حياة أفضل، وهذا ما جعل الصين تكتسب احترامًا كبيرًا من حكومات وشعوب أفريقيا. وصحيحٌ أن قضية السودان وصراعها يجب أن يُحل داخليًا وبأيادي واتفاقات سودانية، إلّا أن الصين بالطبع ستقف وقفة الصديق تجاه الأزمة والمتأثرين بسببها.
السودان بحاجة ماسّة لعمل دولي مشترك يُخفف من وطأة التدهور السياسي والأمني والإنساني وبكل تأكيد ستضع الصين في اعتباراتها كل هذه المعطيات لتكون خير صديق وخير وسيط، وهذا ما يفتقده العالم في مثل هذه الأزمات أن تجد دولة كبرى تتحمل مسؤولية صادقة لا علاقة لها بالمصالح ولا بتفضيل طرف على حساب طرف، وهذا ما تجيده الصين وتمتهن به دبلوماسيتها الدولية.
الصين وبمساعدة الشركاء في الاتحاد الأفريقي ودول الشرق الأوسط ستساهم بشكل كبير لإعادة الاستقرار في السودان؛ فهو الضامن الوحيد لإعادة ترتيب الحياة الاجتماعية ومقوماتها كافة في السودان بشكل أفضل. ومن وجهة نظر شخصية، أجدُ أن إنهاء الصراع مُبكرًا والجلوس على طاولة الحوار والوصول لتسويات سياسية مبكرة سيجنِّب السودان والشعب السوداني وأيضًا المنطقة بأكملها صراع واحتقان كبير، ونتطلع لأن تستفيد جميع الأطراف من النية الصينية الصادقة ونية بعض الدول الأفريقية والعربية في تسوية الخلاف السودان بشكل مبكر، والسيطرة على تأثيراته وتطوراته. وهذا ما أجدُه نقطة إيجابية يجب التمسك بها من قبل الأطراف السودانية كافة.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية