التعايش مع الروبوتات

 

مؤيد الزعبي **

التعايش مع الروبوتات؛ قد يبدو العنوان نصفه مألوفاً والنصف الآخر غير مألوف، فكثير ما سمعنا كلمة التعايش خلال السنوات القليلة الماضية وتعايشنا كبشر مع الكثير من الأشياء والأحداث والأزمات وحتى الأفكار من حولنا، ولكن هل فكرنا من قبل كيف سنتعايش مع الروبوتات؟! هل سنجد بأنها صديقنا ومساعدنا الذي سيحمل عنَّا الكثير من الأعباء أم سنجد فيها العدو اللدود الذي سيحل مكاننا في الكثير من الأماكن؟ كل شخص منَّا سيجد الإجابة بنفسه في قادم الأيام.

الروبوتات ستتواجد في كل مكان في حياتنا وما نحن عليه الآن ما هو إلا بداية لعالم سيكون فيه الروبوت رفيقًا وصديقًا وزميلًا ومساعدًا وطبيبًا ومعلمًا ومحاميًا وسكرتيرًا ومحاسبًا وإعلاميًا وصحفيًا ورائد فضاء ومستكشف بحار ومحيطات، وحداد ونجار ورسام ونحات وعازف موسيقي، وموظف خدمة عملاء وموظف بنكي يدير حسابك، وحتى أنه سيكون لاعبًا رياضيًا يدربك ويلعب معك رياضتك المفضلة، وسيكون كلبك الذي يمشي معك صباحًا ومساعدك الذي ينظف لك البيت وسائقك الخاص الذي سيقود سيارتك، وهو من سيعد لك طعامك ويخدمك في حلك وترحالك، والتعايش مع كل هذا ليس بالأمر السهل ولكن الأهم أن نتقبل الفكرة.

تخيل أنه يوجد في العالم ما يقرب من 15 مليون روبوت، في حين أنه وحتى أواخر عام 2021 كان هناك ما يقارب 12 مليون وحدة روبوتية في العالم، أي أننا نستقبل ما لا يقل عن مليون روبوت كل عام، ورغم أن هذه الأرقام غير دقيقة وأجد أنها قليلة مقارنة بما نشهده من تطورات عالمية كبيرة وتسارع مخيف في استخدام الروبوتات في جميع مناحي الحياة إلا أننا ورغم كل شيء أمام حقيقة واحدة أن الروبوتات باتت تُشكل في تعدادها أكثر من تعداد بعض الدول، وربما تفوق في عددها أعداد بعض المؤمنين بأفكار معينة فإن وجب علينا فقد وجب فعلًا أن نتعايش معها ونستثمرها ونستغل قدراتها.

إذا تحدثنا عن قطاع الصناعات فقد كشف الاتحاد الدولي للروبوتات أن الصناعة العالمية تستقبل 422 ألفًا و271 روبوتًا اصطناعيًا جديدًا سنويًا، في الصين وحدها يتوقع أن يكون لديها ما بين 3.2 إلى 4.2 مليون روبوت صناعي يعمل على خطوط الإنتاج بحلول عام 2030، ارتفاعًا من نحو مليون حاليًا، يعني أن العاملين في هذا القطاع سيجدون الروبوتات أمام أعينهم في السنوات القليلة المقبلة، والتعايش معها سواء بتعلم أنظمتها وتشغيلها وصيانتها وكيفية إتمام الأعمال من خلالها بات مهارة مطلوبة يجب امتلاكها ولا يجب التغافل عنها، وإذا كنت ممن يعملون في المصانع فيجب أن لا تقول لنفسك أن الصين بعيدة ودخول الروبوتات لمصنعك أمرًا بعيد فنحن نعيش في عالم يتغير بطرفة عين.

بعيدًا عن المصانع هناك في المستشفيات؛ الروبوتات موجودة منذ سنوات سواء الأذرع الجراحية أو أنظمة التطبب الإلكترونية أو حتى الأدوات المساعدة للممرضات والأطباء وصولًا للروبوتات النانوية "صغير الحجم" التي يتم إرسالها داخل الجسم لتزودنا بالتحاليل والقراءات الدقيقة أو الشرائح الإلكترونية التي تزرع داخل الأجسام، وحتى تلك الروبوتات القابلة للارتداء والتي تقيس مؤشرات الجسم الحيوية؛ كل هذه وأكثر من أنظمة وروبوتات قادمة في قادم السنوات ستكون إما رفيقًا أو مساعدًا أو زميلًا للأطباء والممرضات ناهيك عن أنها ستكون رفيق وجليس المرضى أيضًا، والتعايش معها لن يكون مطلب بل ضرورة لتستفيد من قدراتها ولا تفقد وظيفتك ومكانتك في هذه البيئة.

وبعيدًا عن سوق العمل؛ لك أن تتخيل أن الروبوتات الاجتماعي وهي الروبوتات التي تقدم خدمات اجتماعية مثل الجلوس مع الأطفال ورعايتهم أو حتى رعاية المسنين وتقديم خدمات لهم، أو تلك الروبوتات التي تدردش معك وتخفف من وحدتك؛ هذه الروبوتات كان حجم سوقها العالمي 2.6 مليار دولار في عام 2021، ومن المتوقع أن تصل ل 13 مليار دولار في عام 2027 أي أنها تتضاعف عامًا بعد عام ونحن على وشك أن نجدها في حياتنا اليومية كمساعد أو خادم اجتماعي يقدم لنا خدمات لم نكن نتوقع أن يقدمها روبوت مصنوع من البلاستيك أو الحديد فيكون لنا رفيق وقت الأزمات والمحن ويخفف ألامنا النفسية والاجتماعية أو حتى صديقًا يخفف وطأت عثرات الزمن.

التعايش مع الروبوتات من وجهة نظري يجب أن يتم على مسارين؛ المسار الأول: أن نتعايش مع وجودها في حياتنا وتقبل هذه الفكرة لأنها أتية مهما حاولنا منعها أو رفضها فنحن كبشر جبلنا على الراحة ونبحث عنها منذ خلق البشرية ومهمتنا تطويع كل ما هو جديد لخدمتنا ولتسهيل حياتنا. والمسار الثاني: أن نتعلم ونكتشف الفرص العملية والعلمية وحتى الاقتصادية لوجود الروبوتات في حياتنا والحديث هنا ليس موجه لك عزيزي القارئ وحدك؛ بل موجه للشركات والمؤسسات والكيانات وللحكومات والدول.

الجميع يجب أن يتعايش مع فكرة الروبوتات كمستقبل نعيشه ووجب التعايش معه فهون على نفسك صديقي القارئ الروبوتات وجدت لخدمتك إن أردت أنت ذلك، ووجدت لتحل مكانك إن أردت أنت ذلك أيضًا ولك الخيار في تحديد المسار.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط