حمد بن سالم العلوي
جريمة قتل الشيخ محمد بن سعود الهنائي، لا شك أنَّها هزَّت المجتمع العُماني، ليست فقط لأنها قتلٌ لشيخ مسن بصورة بشعة، ولأسباب دنيئة وممقوتة، لكن لأنها جيَّشت عواطف الناس في طريقة تنفيذها؛ فالجرائم يستنكرها هذا المجتمع أيما استنكار، والذي يمتعض كل الجرائم مهما كانت درجة خطورتها، خاصة إذا كانت جريمة القتل غيلة ومباغتة مع الإصرار على الغدر.
ورغم أن جريمة القتل كانت من أولى الجرائم البشعة التي وقعت مع بدء الخليقة، وذلك يوم قتل قابيل أخاه هابيل، فكان من الخاسرين كما وصفه القرآن الكريم، وعلى إثر تلك الجريمة كتب الله عز وجل عقوبة شنيعة على كل جريمة قتل تقع بعد ذلك، فقرنها بقتل الناس جميعًا لهول فظاعة القتل العمد.
لكن الذي يُدمي القلوب أكثر من الجريمة ذاتها، هو تفاهة الأسباب ودناءتها، فإن الذي نسب القتل إلى الفقر، وحاجة الناس إلى المال، فقد كانت غشاوة على عقله من ألم الخلد في النار، فأولئك الأشقياء من القتلة، إن كان دافعهم الفقر والعوز، فذلك لا يساوي 1 من ترليون من حجم العذاب في جهنم، والخلود فيها والعياذ بالله.
ترى.. أيُّ قتل وقع على القيم والأخلاق الضابطة لتصرفات الناس، عندما يشرّعون لأنفسهم فعل عمل قبيح كهذا، والذي جرى كجريمة قتل الشيخ محمد الهنائي، الرجل الصالح الزاهد، الذي ذهب يسحب مبلغًا من المال لدفع الزكاة إلى أناس محتاجين؛ بل ومنتظرين لهذا الفضل، فيدفع الشقاء بثلة من الوحوش لارتكاب هذه الجريمة المركّبة، والتي تمثلت في الخطف وحجز حرية شخص كبير في السن، وله مقام الأب في المجتمع، وكان الأولى أن يقدموا له الحماية والنصرة، ولكنهم عملوا خلاف القيم الإنسانية والمروءة العُمانية، عندما تجرَّؤوا على إزهاق روحه الزكية الطاهرة، فسطوا على المال الذي في يده، وهو مال أمانة لديه لأشخاص آخرين.
هل في الأمر فظاعة ووحشية أكبر من هذا الذي جرى، فيا تُرى أين ذهبت ضمائر هذه الضباع البشرية؟! أبعد العلم والمعرفة نعود لزمن الجاهلية، كما يوم كان قطّاع الطرق يقتلون الناس لسلب قوتهم منهم، حتى يعيشوا هم؟! فهل يعقل أن يحصل هذا اليوم في عُمان، وبعد مضي أكثر من خمسين عامًا على انتشار العلم والمعرفة في البلاد؟ لقد فجعتنا هذه الجريمة النكراء، وأن يأتي من يتجرأ على القيم والأخلاق فيغتالها بنزوة من حب المال، والمال الحرام بالذات.
إنَّنا نناشد الحكومة الرشيدة أن تضع هذه الأفعال تحت مجهر التدقيق والعناية الخاصة، وأن تفتح مراكز للبحث أكان ذلك من خلال الجامعات القائمة، أو بإنشاء مراكز متخصصة لمعرفة هذه السلوكيات ودراسة اتجاهاتها، وأن تقف على كُنه هذه الدراسات المتخصصة، ومن خلالها ستتعرف على اتجاهات المجتمع، وأن تعمل "فعلًا" على تصحيح المسارات المنحرفة الآن وقبل فوات الأوان، والتمادي أكثر فأكثر في البعد عن القيم والأخلاق، وكذلك تعظيم الوازع الديني في النفوس، وأن لا يتوقف الأمر فقط عند الحدود والقصاص.
لذلك؛ ورغم جديتها في الردع، عندما تكون العقوبة سريعة ورادعة ومؤثرة على الغير، وذلك قبل نسيان الناس للجريمة وبشاعتها، ولكن تنشئة الناس التنشئة الصالحة، قد تغني عن العقوبات، فعندما يزرع في كل نفس ندية سائقها ورقيبها ودليلها ورشيدها، فعندئذ سوف لن تمنع حدوث جريمة قتل شنيعة وحسب، وإنما ستصنع مجتمعًا عفيفًا فضلًا، رادعه في ذاته، فلن يخون وظيفته، ولن يختلس الأموال العامة بجهل منه، ولن يرتشي، وسوف يؤدي واجباته الوطنية من تلقاء نفسه. أما بغير ذلك؛ فسيظل القوي يعتدي على الضعيف، وسوف تسود شريعة الغاب، وذلك عندما يكون الناس كالأنعام بل هم أضل، فبعض الأنعام تمنعها غريزتها عن فعل المنكرات، ولكن الإنسان بلا أخلاق أو ضمير، لن يردعه شيء إلا العنف، وقد ينهج هو أيضا العنف المضاد.
حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسلطانها المبجل، وأبعد عنّا منحدر المسالك، واعوجاج السلوك، اللَّهُمَّ آمين يا ربِّ العالمين.