لو كنتُ مسؤولًا (3)

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

إن من يتطلع لتولي مسؤولية معينة، كبيرة كانت أو صغيرة، وفقًا للتصنيفات الوظيفية المتعارف عليها، والتي بطبيعة الحال قد تختلف من مؤسسة لأخرى، وفقًا للمهام والاختصاصات، يجب أنْ تكون لديه قدرات شخصية، ومهارات، وهذه يكتسبها من خلال تعزيز قدرته وتراكم خبراته.

والمسؤول الذي يأمل في بلوغ طموحه -من خلال مقال اليوم- هو ذلك المسؤول الذي يرى أن للاجتماعات دورًا مُهمًّا في تحقيق أهداف العمل، وأغراض المؤسسة، والاجتماعات في كل مؤسسة وسيلة من وسائل العمل، يتم من خلالها تبادل الآراء والأفكار، وإعطاء مساحة أكبر للنقاش والحوار الهادف والمقنن، كما أنها وسيلة لتعزيز تكاملية العمل، وهي أداة مهمة لصنع القرار، ومعرفة مواطن القوة وتعزيزها، ومواطن الضعف وعلاجها، والتحديات للتغلب عليها، ومن خلال هذه الاجتماعات يتولى الجميع مسؤولياته؛ فكما أنه شريك أساسي في اتخاذ القرار؛ فهو كذلك شريك في تحمل المسؤوليات والنتائج.

والأسئلة التي تُراود البال في هذه اللحظة: هل كل الاجتماعات ناجحة؟ وهل هي على الحقيقة أم أنها إطار شكلي مؤسسي لا بُد منه؟ وهل الاجتماعات هروب نحو الأمام للتخلي من قبل المسؤول عن مسؤولياته؟ وغير ذلك من هذه الأسئلة، ويبقى السؤال الأكثر حضورا ورغبة لدى المسؤول: ما هي حقيقة الاجتماعات التي نريدها؟

لا يختلف اثنان على دور الاجتماعات وأهميتها، كمسلك مؤسسي له أسسه وأركانه وآليات عمله، هذه الاجتماعات التي يغفل الكثير ليس عن تنفيذها؛ وإنما عن الاستفادة المطلوبة منها، وهذا راجع للفهم من مراد هذه الاجتماعات من ناحية، وكيفية إدارتها من ناحية أخرى.

ليكون الاجتماع ناجحًا يجب أن نلتفت لعدد من الأمور والأساسيات؛ أول ذلك: تحديد الهدف من الاجتماع؛ بمعنى الغرض منه، وهنا لا بُد من الإشارة لفن ترتيب جدول الأعمال وفقا لتراتبية العناصر وارتباطها، وأهميتها، وتوافق القرارات المتخذة تجاهها، وحجم النقاش الذي تطلبه، وبناء على معرفة الهدف يمكن بلوغ غايتين؛ الأولى: تحديد جدول الأعمال وعناصره وبنوده بشكل واضح يتسق تماما مع الهدف، والثانية: تحديد الأشخاص الذين يجب توجيه الدعوة لهم بحكم وظائفهم ومهام عملهم واختصاصاتهم، وهذا ما يغفل عنه الكثير فيدعى للاجتماع من ليس بذي اختصاص، ولو كان عضوا في المؤسسة، وهذا ما يجعل المسار ينحرف عن طريقه في الكثير من الاجتماعات.

ولا بُد أن يكون جدول الأعمال واضحًا مُحددًا بصياغات وعبارات قصيرة ومختصرة، ويمكن قياس لهذه العناصر بناء قرارات مناسبة لها، قابلة للقياس ومعرفة الأثر والنتيجة بعد ذلك، وأن يتناسب جدول الأعمال مع وقت الاجتماع، الذي ينبغي تحديده من حيث اليوم والتاريخ والمكان وبداية الاجتماع ونهايته، وليس التحديد هنا مجرد إجراء شكلي، كما هو متبع؛ وإنما إجراء يتطلب الالتزام به،  وهذه مهارة مسؤول عنها من يترأس الاجتماع، ويدير دفة النقاش فيه، حتى المكان تحديده مرتبط بنوع الاجتماع، والهدف منه، وبنود جدول أعماله، والحضور له من حيث العدد والمسؤوليات، وعدم اختيار المكان المناسب عادة يكون سببا في الإخفاق واتخاذ القرارات غير المناسبة.

ولضمان نجاح الاجتماع، يجب إرسال جدول أعماله قبل فترة كافية لا تقل عن أسبوع، ويرفق مع الجدول كل الشروحات والمستندات والمؤيدات المطلوبة، لتكون الأمور واضحة تمامًا، وهذا يسهل على المجتمعين اتخاذ القرار الأكثر مناسبة، والإحاطة بكل جوانب الموضوع محل النقاش. أمَّا أن توجه الدعوة في ذات اليوم، أو قبل يوم من عقده؛ فهذا اجتماع لتمرير رؤية المسؤول، وليس للاستماع والمناقشة، واتخاذ المناسب وفقًا لمنهجية اتخاذ القرار المتبعة في الاجتماعات؛ لذلك فشل الكثير من القرارات المترتبة على هكذا اجتماعات غير مخطط لها، وغير معد لها كما يجب، ومن ثم إلقاء اللوم على الاجتماع، وأنها اجتماعات غير ذات جدوى، وكانت مُضيعة للوقت، والسبب الحقيقي كان في كيفية الإعداد والاستعداد لها.

إنَّ إرسال جدول الأعمال ومرفقاته قبل وقت كافٍ، لا يسهم فقط في سلامة القرارات المتخذة التي تكون أقرب للصواب، وأكثر رجاحة واتزانًا، وإنما يساعد من يرأس الاجتماع في تنظيم الوقت وإدارته وفقًا لبنود جدول الأعمال، والتحكم في مسارات النقاش، وحصرها في هدف الاجتماع، ذلك أن الاجتماعات الطويلة والتي يتم تنفيذها في الكثير من المؤسسات لا تكون العديد من قراراتها ونتائجها محكمة كما يؤمل منها، وتأخذ البنود الأولى حيزا من الوقت أكثر مما ينبغي في نقاش لا طائل منه سوى تمرير رأي دون غيره، ومن ثم لا تجد بقية العناصر في جدول الأعمال الوقت المناسب لنقاشها، وتتخذ بشأنها قرارات فيها كثير من الاستعجال، وهذا ينسف الهدف من الاجتماع نسفًا.

ودعوة المعنيين بالاجتماع، والقادرين على اتخاذ القرارات وفقًا لطبيعة جدول أعماله، أمر مهم جدًا لضمان النجاح، وهنا لا بُد من مراعاة أن الاجتماع خاص لهدف معين؛ وبالتالي من الصعب دعوة غير ذي صفة فيه، وهذا لا يقلل من شأن أحد؛ وإنما يضمن للاجتماع نجاحًا والتزامًا، ومن ثم لقرارته تنفيذًا وإنجازًا. فكم من اجتماع يعقد ويحضره غير المعنيين، ويغيب عنه المختصون، خاصة إذا كانت الدعوة والحضور في إطار مجاملات بين رؤساء الاجتماعات، ونوع من المكافأة كما تتهيأ للبعض، وليس شرطًا حضور الشخص لكل الاجتماع، فهناك أشخاص يتطلب الاجتماع حضورهم لتوضيح أمر بعينه، أو للرد على بعض الأسئلة، أو لشرح بند، أو لتوضيح رأي مختص من قانوني أو مالي أو في إطار ضوابط التدقيق والمراجعة، وهذا يسمح له بدخول الاجتماع بحسب وقت مناقشة البند الذي يتطلب حضوره، ومن الخطأ الفادح حضوره لكل الاجتماع، ولو كان عضوًا في المؤسسة، لما يترتب على حضوره من إبداء رأي عن غير دراية تامة.

وحتى نضمن نجاح الاجتماعات من المهم الابتعاد عن الذاتية، والمحسوبية، والعلاقات الشخصية، والأهواء، والأفكار التي لا علاقة لها بالعمل المؤسسي، والتركيز على المصلحة العامة، والموضوعية، والشفافية، ومنهج العدالة والمساواة، والتزام مبادئ الحوكمة بأسسها الثابتة المعروفة.

ولا بُد أن يكون للاجتماع مُقرِرًا له محددة مهامه، ومن الأفضل ألا يكون عضوًا في الاجتماع، فينشغل بالنقاش عن مهامه الفنية المهمة، وأن يكون مختصًا بمواضيع وأهداف الاجتماع لضمان صياغات واضحة ودقيقة، ومتفقة مع الموضوع محل الاجتماع، ومن الخطأ الذي تقع فيه العديد من المؤسسات أن تخصص شخصًا واحدًا يقوم بهذا الدور في كل الاجتماعات، ويتم عادة اختياره من ضمن فريق العمل بمكتب المسؤول، مما يسبب عبئًا وتشتيتًا، خاصة أن تلك الاجتماعات تتضمن أغراضًا فنية متخصصة تتطلب فهمًا بعدد من المفاهيم والمصطلحات، وإدراكًا لعدد من الضوابط والإجراءات.

وللحفاظ على مكانة الاجتماعات أهميته وهيبته (والهيبة مهمة في اتخاذ كل جوانب الجدية في النقاش واتخاذ القرار)؛ لا بُد من وضع جدول زمني لتنفيذ القرارات، ومتابعة ذلك التنفيذ بشكل دوري، والوقوف على التحديات المواجهة للتنفيذ لحلحلتها أولًا بأول.

وبهذا أيها الساعي لتكون مسؤولًا، والباذل لتتقلد منصبًا، يكن لاجتماعاتكم أثرًا ونتيجة، ولقرارتكم دورًا في التطوير والتنمية وجودة الأداء، وكم ستكون فخورًا بما يتحقق من إنجازات، يُشارككم هذا الفخر والسرور عناصر منظومة العمل لديكم، الذين هم في الأصل جزء من اتخاذ القرار، وبهذا سيكون الجميع بك فخورًا سعيدًا، لك ممتنًا شاكرًا.