"طاش ما طاش".. والنقد الاجتماعي الساخر

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

لعل مسلسل "طاش ما طاش" يُعد نموذجًا للأعمال الكوميدية الخليجية الهادفة، والتي ترصد ظواهر اجتماعية مشتركة في كل دول الخليج، بأسلوب ساخر، وناقد، ومباشر أحيانًا، ورغم وجود مسلسلات خليجية أخرى تسير على نفس النسق، إلّا أن هذا المسلسل له ميزة الاستمرارية لسبعة عشر موسمًا.

ورغم توقفه في فترة من الفترات، إلا أنه عاد مجددًا في شهر رمضان هذا العام، وبنفس السلسلة التي بدأ بها، وبنفس الزخم، رغم بعض الملاحظات الفنية، التي لا تنقص من قيمته شيئًا، فهو يقدّم نقدًا ساخرًا أحيانًا، وجادًا أحيانًا أخرى للكثير من الظواهر المجتمعية الخليجية العامة، دون إسفاف، ودون ابتذال.

أسوق هذا المسلسل نموذجًا حيًا، للكوميديا الهادفة، الموجّهَة للأسرة، لأنه يحاكي نفس البيئة، والظروف، والظواهر المشتركة في كل المجتمعات الخليجية، رغم أن لدينا في الكوميديا المحلية العمانية نموذج لم يستمر للأسف، وهو مسلسل "يوم وليلة" الكرتوني، الذي توقف عند موسمه الثاني، أو الثالث- لا أذكر- والذي كان يتناول الظواهر الاجتماعية المحلية، بأسلوب كوميدي، ولكتّاب عمانيين، وطاقم فني عماني، ويسلط الضوء على الكثير من السلوكيات السلبية التي يحاربها المجتمع، ويعاني منها الناس، رغم سيل الانتقادات التي واجهت المسلسل، بسبب أن العمل كان يمثل صدمة درامية في حينها للمشاهد لم يعتدها، ولكن لأسباب مُعينة توقف المسلسل، ولم يعد هناك ما يُغطي مساحة النقد الاجتماعي الفارغة على الخارطة التلفزيونية.

إنَّ وجود أعمال درامية ناقدة للأوضاع العامة، والظواهر السلبية أمر ضروري، ولا يحتاج إلى أكثر من قرار إعلامي لمعالجة قضايانا المحلية، بعيدًا عن الإسفاف، والكوميديا المبتذلة التي لا تضيف للمشاهد شيئًا مُهمًا، وهو قد يكون مدخلًا مُهمًا لعودة المشاهدين إلى شاشة التلفزيون العماني، بدلًا من توجههم إلى قنوات وفضائيات أخرى يجد في ما تعرضه، ما يعوّضه عن سوء وفقر الدراما المحلية؛ فالإعلام لم يعد هو ذاك الإعلام الحكومي الموجّه لفئة مُجتمعية معينة انقرضت ولم تعد موجودة حاليًا؛  بل هو ناقل لكل ما يدور في المجتمع، فالقضايا والمشكلات لم تعد شيئًا مخفيًا؛ بل أصبحت أمرًا ظاهرًا، ومُتداولًا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد بالإمكان تغطية الحقيقة بغربال، ولا أعتقد أنَّ الدراما الناقدة تمس الأمن الاجتماعي بسوء؛ بل هي على العكس تساهم في ترسيخ فكرة أن الإعلام العماني متجدد، ويعيش ويتعايش مع الحدث والتغيير الذي يصيب المجتمع، وليس بعيدا عنه.

إنَّ دراما النقد الساخر أو الكوميديا السوداء، أصبحت الأكثر جذبًا للمشاهد في خضم الأعمال الدرامية التاريخية أو تلك البعيدة عن الواقع، والمجتمع، والتي أصبحت سمة عامة للأعمال الرمضانية، فهي إلى جانب الهدف الترفيهي لها، تؤدي دورها الاجتماعي، والتوعوي، بأسلوب جاذب، أما أن تتواجد الدراما العمانية من أجل تسجيل الحضور فقط، كما هو حاصل حاليًا، فذلك لن يؤدي إلا إلى إهدار المال العام، وإهدار طاقات الممثلين وتوجيهها في غير مكانها، وعدم إضافة أي قيمة فنية أو فكرية إلى عقلية، ومتعة المشاهد، وبذلك يبقى العمل الدرامي المحلي مجرد زوبعة في فنجان، وجهد مالي وبشري مهدور، وسفينة في بحر لا تعرف بوصلتها، ولا اتجاهها.