ترى.. من يذهب لمن؟!

 

حمد بن سالم العلوي

الضَّجة أثارها البعض حول قرار وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بمنع استخدام مكبرات الصوت الخارجية في المساجد، وذلك في نقل الصلوات والأدعية إلى خارج المساجد، فهناك من طالب بوقف تشغيل مكبرات الصوت الخارجية للمساجد في صلوات التراويح والأدعية التي تلي هذه الصلوات، وقد انبرى البعض لمُهاجمة هؤلاء المطالبين بمنع مكبرات الصوت الخارجية، وعندما قررت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إعادة نشر تعميم سابق في نفس المعنى، والذي تمَّ نشره قبل سنوات ولكن تناساه البعض، امتعض هذا البعض من القرار، وأطلق عنان النقد باتجاه الوزارة صاحبة الشأن، ونقد سرعة الاستجابة للشكوى، وذلك بنشر التعميم المُنظم لاستخدام مكبرات الصوت الخارجية، والتي حددتها فقط لرفع الأذان، ودعموا حجتهم بأنَّ الكنائس تقرع نواقيسها في كل يوم ست مرات، فأرادوا أن يضربوا مثلًا بذلك، أو مقارنة بالذي هو أدنى كيف يسمح به، لعلهم بذلك يستفزون الناس على رفض قرار التنظيم، وتناسوا أن تلك الكنائس ليست في عُمان، إذن؛ فالقرار ليس بيد هذه الوزارة.

الحقيقة أنا أدعو الاثنين المتضادين إلى مسألة وسطية، وليس من شيء يُحل إلا بهذه الوسطية، والتي ستمنع التشنج، وتبعد كل طرف من التعصب لموقفه، وعنيّ شخصيًا أسكن بجوار مسجد، ويسعدني أن يصل الأذان إليّ وأنا في منزلي، ولكن لا أتمنى أن تنقل الصلوات والأدعية بمكبرات الصوت إلى منزلي، لأن بهذه الطريقة كمن يطلب؛ أن يأتي المسجد إليه وهو في بيته، والأصل أن يذهب الناس (هم) إليه لا العكس، ففي البيت ليست كل الأوقات مناسبة لتلقي شعائر الصلوات والتكبيرات والأدعية، ففي بعض الأحيان يكون في البيت مريض، فهو يحتاج إلى الراحة والنوم، وكذلك الأطفال غير المكلفين بالصلاة، وإذا أتى وقت تكليفهم سيذهب الذكور منهم إلى المسجد، وهذا هو الواجب، كما أن متلقي قراءة القرآن، مطلوب منه الاستماع بإنصات، ولظروف مُعينةً قد لا يتوفر له تطبيق هذا الحكم الرباني، وسيؤثم إن لم يفعل.

إذن؛ نقول للذين يحتجون بأن البلاد إسلامية، وأن من الواجب أن تصل هذه الشعائر إليهم، ولو عبر الميكروفون إلى الناس في جوار المساجد، فنقول لهم؛ ومن خلال الفهم العام، إن هذا التنظيم لا يخرج البلاد عن إسلامها، وهذا مؤكد ولا يحتاج للبحث عن فتوى شرعية، وإذا جئنا إلى الإفتاء فإنَّ سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، قد قال في رده على سؤال في برنامج "سؤال أهل الذكر" في مرة سابقة إنه لا ينبغي أن تنقل الشعائر الدينية التي تلقى في المساجد عبر مكبرات الصوت الخارجية، وذلك بما يشوش على الآخرين فمنهم المرضى ومنهم الأطفال، وذلك مراعاة لظروف الناس المختلفة، وفي هذا كلام يمنع من المزايدة على من يزعمون أنهم أكثر غيرة على الإسلام من سماحته- حفظه الله-.

ثم إذا احتكمنا إلى القرآن الكريم فإن هناك آيات كثيرة تحض على الوسطية، فمنها قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] وقال كذلك:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 256] وقال أيضًا:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ..} [الشورى: 48] وقال في نفس السياق: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] وكل هذه الآيات لا تشير إلى الإجبار أو الإكراه، بل قال تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..} [النحل: 125].

وربما أولئك الذين يشتكون من الإزعاج من مكبرات الصوت الخارجية في المساجد، فإنهم إذا كانوا داخل المساجد وأثناء الصلوات الجهرية، فمنهم من يرجّون جدران المساجد بقول "آمين" وهم بالطبع يقصدون إسماع المصلين قوة أصواتهم، أما إذا كانوا يقصدون إسماع ربُّ العالمين بذلك، فإنهم يعلمون أنه يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الملساء، فكان أولى بهم أن يطلبوا من المؤمنين، بالتأمين بما يرضي الله وكل بحسب اعتقاده، أما إذا ظنوا أن يُسمعوا الملأ الأعلى بقوة الصوت، وبقدرتهم هم وحدهم على ذلك، فإنَّ الصوت مهما كان عاليًا، فإنه لن يتجاوز جدران المسجد الداخلية.

إذن.. أرى من وجهة نظري، أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية خيرًا فعلت، وذلك أن نظمت بقرارها استخدام مكبرات الصوت في المساجد، حتى لا تترك الحبل على الغارب، لمن يريد أن يباهي بجمال صوته في القراءة، أو أن يَمُن على الناس بإسلامه، وأن يبالغ في ذلك، مستغلًا مكبرات الصوت الخارجية، وأن يفرض صلاته ودعاءه على الآخرين.

وألا يجبر الناس على الاستماع للأدعية، فربما لا يكونوا وقتذاك مستعدين لتقبل هذا الدعاء، أو أنهم في ذلك الوقت يقومون بما هو أهم من الدعاء، كالصلاة أو قراءة القرآن لمن كان معفيًا من حضور الصلوات في المساجد بعذر شرعي، وببساطة ربما لم يكن بعض المستمعين ممن يدينون بدين الإسلام، لذلك لا يجب أن نلزمهم بشيء من ديننا، إنما علينا قبل ذلك أن ندعوهم إلى الإسلام بالقدوة الصالحة والموعظة الحسنة، لا بالأمر المباشر، حتى لا يكون هناك إكراه في الدين.

وختامًا لهذا القول.. إن الاختلاف في وجهات النظر، سيظل قائمًا مع وجود الحياة على الأرض، ولأن القناعات بين الناس هي حكمة ربانية من أجل التحاور، وعرض وجهات النظر بين الناس، ولكن الذي يحدث اليوم هو مجرد خلاف لعقيدة الاختلاف، والتي قال عنها الإمام الشافعي: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".