معسرون في السجون.. وبنوك دون عيون

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

مُؤسفٌ جدًا أن تسمع أو تشاهد أو تقرأ عن أسر عُمانية دون مُعيل، ودون مصدر دخل، ودون مأوى، بسبب سجن رب الأسرة، أو تسريحه القسري من عمله الذي هو مصدر رزقه، ومُوجعٌ جدًا أن يمر شهر رمضان والأعياد، دون أن تدخل الفرحة بيوت كثير من الأسر التي فقدت معيلها، بينما تقف المؤسسات دون حراك فعلي، ودون أن تحرك ساكنًا في "ظاهرة" التسريح، والسجن، وبيع بيوت المواطنين الذين تعسّروا عن دفع الأقساط، فصدرت بحقهم أحكام قضائية ببيع منازلهم لصالح بنوك أرباحها بالملايين سنويًا من ظهور هؤلاء المقترضين، ورغم ذلك لا تتورّع هذه البنوك عن سجن، أو مصادرة منزل مواطن فقير متعثر في السداد.

هذه "الظاهرة" المُقلقة اجتماعيًا، والتي باتت تهدد استقرار المواطن الذي تكالبت عليه الظروف، وتجمّعت عليه الديون، يجب أن تتوقف، ويجب أن تجد الحل المناسب من قبل الحكومة، ومن قبل مجالس إدارات البنوك أو الجهات الدائنة، التي يقع على عاتقها واجب اجتماعي، وأخلاقي، وديني، ووطني تجاه أبناء هذا الوطن المعسرين، الذين وصل الحال ببعضهم إلى أقصى درجات البؤس، كما أن على الحكومة- رغم كل الظروف- أن تتدخل بقوة، فالمواطن الذي تراكمت عليه الديون نتيجة لظروف قد تكون خارجة عن إرادته، أو ذلك الذي فقد عمله فجأة دون سابق إنذار، أو ذلك الذي اقترض لبناء منزل لأسرته فتعسّرت أموره، وتعثّرت أحواله، أو ذلك المواطن الكريم الذي وجد نفسه أمام أبواب السجن بسبب عدم قدرته على دفع المال لمؤسسات أو بنوك تأكل وتشرب وتعيش على أقساط المقترضين، كل هذه الحالات وغيرها بحاجة إلى حل ناجع، وجذري يرفع كرامة المواطن، ويحفظ له حقوقه الإنسانية، وحق المواطنة التي يتمتع بها، فالدولة التي تطالبه بإنجاز كل واجباته دون تقصير، وتشجعه على العمل بكامل طاقته لخدمة الوطن، مطالبة في الجانب الآخر أن توفر له ذلك الاستقرار النفسي والاجتماعي الذي يأمن فيه على نفسه وعياله وأسرته.

أعتقد أن على البنوك أن تتخلى عن جشعها المادي، وأن تتحلّى بروح المسؤولية والوطنية التي تُلزمها بالمشاركة في حل هذه الحالات الإنسانية؛ بل إن على الحكومة أن تلزم هذه المؤسسات التمويلية المُقرِضة بالتيسير على المقترضين المعسرين، وأن تُلزم البنوك بالتخلّي عن جزء من أرباحها المليونية لصالح المقترضين المعسرين، وأن توقف أحكام بيع منازل المواطنين المتعثرين، الذين حلموا بالاستقرار في منزل آمن، فإذا بالحلم يتحول إلى واقع مؤلم، وقاسٍ، لهم ولأسرهم.

قد يرى البعض أن ذلك حل غير واقعي، ويعترضه الكثير من العقبات القانونية، ولكن أعتقد أن الحكومة إذا أرادت أن تقر تشريعًا، أو تفرض قانونًا، وكان لديها الإرادة النافذة، والعزيمة الصادقة، فلن يقف أمامها عائق، أو أن عليها أن تتحمل تبعات وآثار هذه الحالات المعسرة والمتعثرة التي تكاد أن تصبح ظاهرة اجتماعية تؤثر على مستقبل أسر وأجيال، ووطن، ولا يمكن التنبؤ بنتائجها، وانعكاساتها السلبية القادمة.