إسهامات الحضارة الإسلامية في علوم الطبيعة (3)

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

 

3- علم الفيزياء

 

تناولنا في مقالتين منفصلتين مساهمة علماء الحضارة الإسلامية في علمي الكيمياء والأحياء، وفي هذه المقالة سنتحدث عن مساهمتهم في علم الفيزياء.

ويعد علم الفلك من أقدم فروع علم الفيزياء، وقد اهتم به المسلمون اهتمامًا بالغًا، وربما يعود ذلك لارتباط عدد من العبادات بحركة الشمس والقمر كمواقيت الصلاة ومعرفة اتجاه القبلة ووقت الإمساك والإفطار، فهذه الأمور كانت دافعًا مُهمًا للاهتمام به، إضافة إلى بعض الأمور الحياتية الأخرى كتحديد سير القوافل وفي الملاحة البحرية، مما حدا ببعض الفلكيين إلى القول بوجوب تعلم علم الفلك. (1)

بينما يرى البعض أن الدافع الرئيسي وراء تطور علم الفلك في عهد العباسيين هو التنجيم الذي اهتم به العباسيون كثيرًا وهو الذي دفعهم للاهتمام بعلم الفلك فقاموا بإنشاء المراصد الفلكية والاسطرلاب بأنواعه المختلفة، كما إنهم قاموا بتصحيح كثير مما ورد من قياسات وفرضيات عن بطلميوس، وهناك من يشير إلى أن علماء المسلمون قالوا بكروية الأرض ولكنهم أخذوا ذلك أيضًا من بعض ما ورد في كتب اليونان. (2)

وقد أقام اليونانيون علم الفلك على فكرة مركزية الأرض وأن جميع الكواكب الأخرى تدور حولها حتى الشمس، ولم يتضح لنا بصورة جلية أن المسلمين خالفوا ذلك إلا أن هناك من يذهب إلى أن ابن الشاطر الدمشقي والبتاني هما من أشارا إلى فكرة مركزية الشمس، وأن كوبرينيكس استعان بنفس الحسابات الرياضية لهذين العالميْن العربيين (1)

إلا أن الدكتور نضال قسوم في محاضرة له قبل بضع سنوات وبعد بحث وتقص دقيق نفى وبشكل قاطع صحة هذه النسبة وأن ابن شاطر أشار إلى فكرة مركزية الأرض على أنه احتمال غير منتفٍ.

وعمومًا فإذا صح أن علماء الفلك المسلمين قالوا بمركزية الشمس، فإن ذلك يعني أن علماء الحضارة الإسلامية في علوم الفلك قد ساهموا مساهمة غاية في القوة فهم من أرسوا قواعد علم الفلك الحديث وانقلبوا على ما ورثوه من الحضارة اليونانية في هذا الفرع من علوم الطبيعة، إلا أن هذه النسبة كما أسلفنا لم تثبت بشكل واضح بل يشوبها الكثير من الشك.

أما علم الحركة والذي يعد من أهم المواضيع الفيزيائية، فلقد اقتصر عند المسلمين على الدراسة الوصفية بل يكاد يسيطر عليها البعد الفلسفي وأنها خروج من القوة إلى الفعل ولم يثر موضوع الحركة من الناحية الفيزيائية اهتماما عند المسلمين عدا من حيث تطوير عدد من التطبيقات الميكانيكية المهمة، أما دراستها كظاهرة تجريبية والتأصيل لها فيزيائياً فلم يلتفت إليه المسلمون.

وربما يكون الانقلاب الأبرز والمساهمة الأكبر في علوم الفيزياء كانت على يد الحسن بن الهيثم، فهذا العالم المبدع هو الذي انقلب على ركن أساسي في علم الفيزياء كما وصلت إليه من اليونانيين وذلك من خلال مساهمته في علم البصريات؛ إذ قام بفتح جديد فيه، وذلك من خلال إثبات عدد من النظريات الأساسية الجديدة وإثبات خطأ ما تبناه اليونانيون، وقد اعتمد في إثبات ذلك على المنهج التجريبي، إذ قام بعدد من التجارب أثبت من خلالها خطأ النظريات اليونانية، ولذا ففي نظرنا فإن الحسن ابن الهيثم هو أكثر علماء الطبيعة المسلمين إبداعًا.

وعلى الرغم من أن علماء الحضارة الإسلامية هم من أسسوا علم الجبر والحساب، إلا أن استخدام المعادلات الكمية في مختلف علوم الطبيعية ظل محدودًا جدًا وغلب الطابع الوصفي والفلسفي في تفسيراتهم ومناهجهم العلمية، وهي سمة بارزة في الحضارة اليونانية تأثر بها غالبية علماء الطبيعة المسلمون تأثرا واضحا فنجد جابر بن حيان مثلًا يتحدث عن فكرة الوجود بالقوة والفعل في محاولة تفسيره للتفاعلات الكيميائية المختلفة. (3)

ومن هنا.. فإنّنا نرى أن علماء المسلمين ساهموا في بناء أسس بعض جوانب علوم الفيزياء ولم تقتصر مساهمتهم على المعرفة التراكمية فحسب، وأما إسهامهم في علوم الأحياء والكيمياء فهي مساهمة تراكمية أسست على ما استقوه من الحضارة اليونانية.

وللحديث بقية...

 

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

************

المصادر:

  1. الإبداع العربي في علم الفلك لعبود قرة، التراث العربي مجلد 23، عدد 90، ص 175 إلى 166.
  2. علم الفلك عند العرب لعبد الرحيم بدر، الموسم الثقافي لمجمع اللغة العربية الأردني، عام 1985، عمان الأردن.
  3. جابر بن حيان، زكي نجيب محمود.