د. محمد بن عوض المشيخي **
ننتظر كل عام حلول شهر رمضان الفضيل؛ بفارغ الصبر بقلوب مؤمنة، وأفئدة مسبشرة، ونفوس طامحة إلى رضا الله؛ ونردد جميعًا ونرفع الأيادي للخالق عز وجل، مستحضرين في ذاكرتنا الدعاء المعروف "اللهم بلغنا رمضان" وبالفعل قد أطل علينا رمضان المبارك لنجدد العهد والتوبة والأعمال الصالحة لله تعالى؛ فهذا الشهر يعد أفضل الشهور عند الله، بل وللبلاد والعباد كافة؛ فتتضاعف فيه الحسنات، وتزيد فيه الصدقات، وتتواصل فيه النفوس، وتلتئم فيه جراح الزمن، ويجتمع فيه شمل الأرحام والأقارب على مائدة الإفطار.
ولم لا فرمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النَّار، وذلك لمن صامه إيمانًا واحتسابًا وأدّى العبادات المطلوبة وأحسن للفقراء، فالحكمة من الصوم هي الإحساس بالمساكين الذين يعانون طوال العام من الجوع وقلة الطعام، فيأتي رمضان للتذكير بهؤلاء الناس الذين يحتاجون للصدقات والمساعدة من المقتدرين من أبناء الأمة لإخوانهم من الفقراء والمحتاجين ونزلاء السجون.
لقد تعددت المشاريع الخيرية التي يُقدِمُ عليها أهل الخير في هذا البلد العزيز في مثل هذه الأيام من السنة الهجرية، ومن أهم هذه المبادرات الإنسانية الرائعة مبادرة "فك كربة" لجمعية المحامين العمانية في نسختها العاشرة، والتي تسعى إلى جمع التبرعات المالية بهدف فك أسر المعسرين من نزلاء السجون بسبب مطالبات مالية مترتبة عليهم في قضايا مدنية وتجارية وشرعية وعمالية. لا شك أن مبادرة "فك كربة" عمل إنساني جدير بالتقدير والإشادة لأن من خلاله يتم إطلاق سراح القابعين في السجن؛ خاصة الذين لهم أسر وأطفال؛ فهذه المبادرة تمنحم فرصة جديدة لكي يندمجوا مع المجتمع ويبدأوا فصلًا جديدًا في هذه الحياة قوامها العبر والاستفادة من الدروس والأخطاء التي قادتهم إلى غياهب السجون. ولذلك يجب علينا جميعًا مساندة جمعية المحامين العمانية لتحقيق أهدافها نحو إطلاق سراح كل المعسرين خاصة الذين لهم أطفال وأسر خارج السجن.
كما أن هناك العديد من المبادرات التي يقدم عليها التجار ورجال الأعمال لمساعدة الأسر الفقيرة في مختلف مناطق السلطنة، في مدينة صلالة- على سبيل المثال- تقوم إحدى الشركات الوطنية بتقديم ما يكفي لشهر رمضان من المؤن الغذائية لأكثر من 200 أسرة فقيرة في محافظة ظفار، وهي "شركة الاستقرار العمانية"، وذلك منذ سنوات طويلة.
ونحن عبر هذه النافذة ندعو جميع التجار في مختلف محافظات السلطنة للعمل على نشر مظلة التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع العماني، لكي تختفي العديد من الظواهر التي انتشرت في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وخارج عن المعقول، وذلك لصعوبة رقابة الجهات المختصة الحقيقة ما يتم إنتاجه من بضائع ومواد غذائية خارج السلطنة، والاعتماد في كثير من الأحيان على سقف الأسعار التي يقدمها في العادة المستوردون لأسواقنا المحلية، فهناك التسول الذي سببه صعوبة توفير احتياجات الأسر المعسرة كدفع فواتير الكهرباء والماء من البعض، وكذلك ظاهرة البيع في الطرقات العامة وخاصة النساء والتي سببها قلة دخل هؤلاء النساء اللاتي أجبرتهن الحاجة للخروج للشارع لتحسين أوضاعهن المعيشية؛ وكما قيل في السابق فإنَّ الفقر كفر.
لقد ارتبط الصوم عند البعض بالأكل طوال الليل ونوم معظم ساعات النهار، وكذلك بكثرة الولائم والدعوات للإفطار للأصدقاء والضيوف؛ إذ يتنافس القوم في تقديم أصناف متعددة من الطعام للضيوف بشكل زائد عن الحد، فيُهدر الكثير من الأغذية والطعام ويكون طريقها لصناديق رمي المخلفات، خاصة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والتي تصل في بعضها تكلفة فاتورة هدر الأغذية بأكثر من 13 مليار دولار أمريكي سنويًا ومعظمها في شهر رمضان، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، بينما تأتي الإمارات العربية في المرتبة الثانية خليجيًا بعد السعودية؛ إذ تبلغ قيمة الطعام المهدر بحوالي 2.7 مليار دولار أمريكي سنويًا.
أما سلطنة عُمان فهي ضمن أقل دول المجلس من حيث هدر الأغذية؛ إذ تقدر تكلفة قيمة الغذاء المهدر بحوالي 300 مليون دولار أمريكي سنويًا. ومن المفارقات العجيبة، أن هناك في بلداننا من المحتاجين حاجة مآسة لهذا الطعام؛ سواء على مستوى دول المجلس أو الدول العربية الأخرى كسوريا والصومال ولبنان وفلسطين المحتلة والسودان.
ومن العادات الدخيلة علينا استثقال بعض الناس أداء الواجب والعمل في نهار رمضان، وكأنَّ هؤلاء القوم يحملون همًا وغم الدنيا على رأسهم، لدرجة أن هناك من ينام على الكراسي والكنبات أثناء الدوام الرسمي، ويحاول بعض منهم تجنب مقابلة المراجعين؛ بل وحتى الحديث إلى من حولهم، باعتبارهم صائمين، وسبب ذلك، بالطبع هو الإرهاق والسهر طوال الليل، مما يترتب على ذلك صعوبة في الإدراك وعدم القدرة على التركيز والاستسلام والخوف من الجوع والعطش.
وفي الختام.. أهم ما يجب أن نفعله ونحن في بداية هذا الشهر الكريم، وفي هذه الأيام المباركة، أن يكون زادنا الصبر والعزيمة، كما يجب علينا أن نغسل قلوبنا من الأحقاد والفتن، ونسامح من أساء إلينا ونحتسب ذلك عند الله، فلعل يكون الجزاء قبول صيامنا وقيامنا ونكون مع الذين يعتقهم الله في الأواخر من رمضان.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري