مؤشرات اقتصادية إيجابية.. ولكن!

فايزة سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

كثير من المؤشرات الإيجابية نشهدها على صعيد الأوضاع المحلية والإقليمية، فقد شهدت الميزانية العامة للدولة مؤخرا أداءً ماليًا جيدًا، تحقق على إثره فائض مالي، بلغ نحو 145 مليون ريال عماني بنهاية يناير 2023، وذلك صعودًا من فائض بنحو 18 مليون ريال عُماني في ذات الفترة من عام 2022.

وفي جانب المالية العامة أيضًا، نجحت حكومتنا الرشيدة في سداد قروض بمبلغ 511 مليون ريال عماني، متضمنة سداد سندات دولية مستحقة بقيمة 480 مليون ريال عماني، مما أسهم في خفض إجمالي الدين العام إلى نحو 17.2 مليار ريال عُماني بنهاية 2023. ولا شك أن مثل هذه الأرقام تمثل مؤشرات إيجابية على تجاوز اقتصادنا الكثير من التحديات، وأن العمل جارٍ على تعزيز استدامة هذه المؤشرات الإيجابية من خلال ضبط الإنفاق والتوسع في المشاريع الاستثمارية التي تدر عائدات مالية على الدولة، وتسهم في توظيف الشباب والباحثين عن عمل، وتعزز من الأداء الاقتصادي وتحرّك الأنشطة التجارية وغيرها.

وفي السياق نفسه أيضًا سجّل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لسلطنة عُمان بنهاية شهر ديسمبر من عام 2022م ارتفاعًا بنسبة 30.0 بالمائة، ليصل إلى 44 مليارًا و89 مليونًا و500 ألف ريال عُماني، مقارنةً بنهاية شهر ديسمبر من عام 2021م، والتي بلغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية خلالها 33 مليارًا و909 ملايين و800 ألف ريال عُماني.

ولا شك أن أبرز تطور اقتصادي إيجابي حدث مؤخرًا، اللقاء السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مع أصحاب وصاحبات الأعمال وعدد من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هذا اللقاء الذي شهد استعراض جلالته- أيده الله- للتوجهات المستقبلية للدولة وسياساتها الرامية لمواصلة مسيرة التنمية الشاملة، وفق المُستهدفات المُخططة ضمن رؤية "عُمان 2040"، لكن النقطة الأكثر أهمية الإشادة السامية من لدن جلالته- أعزه الله- بدور القطاع الخاص، وتأكيد أهمية تعزيز الشراكة والتواصل بين القطاعين الحكومي والخاص في المرحلة المقبلة. وفي هذا الصدد، أشار جلالته إلى أهمية تعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه للقيام بالأدوار المؤملة منه للتكامل مع منظومة الاقتصاد العُماني بكافة مكوناته ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.

وعلى الصعيد المحلي أيضًا، يواصل جهاز الاستثمار العماني وحسب ما جاء في التصريحات الإعلامية الأخيرة، تطبيق خطته المقررة خلال السنوات الخمس المقبلة، للتخارج من 35 شركة حكومية، مع استمرار جهود بناء منظومة حوكمة هذه الشركات وتفعيل المحاسبة والشفافية والتدقيق. ومن المؤمل أن يكون لهذه الخطوة أثر إيجابي في زيادة المشاريع والشركات نتيجة لتوفر السيولة والتمويل الذي يعد من أكثر التحديات أمام أصحاب الأعمال التي بدورها ستساعد في خلق فرص عمل وإنعاش الاقتصاد والمساهمة في التنويع الاقتصادي.

إذن نحن أمام مشهد اقتصادي يتطور يومًا تلو الآخر، ولا يتسع المجال لإيضاح تفاصيل هذه التطورات، لكنها بلا شك تُسهم في نمو اقتصادنا الوطني وتعظيم أدوار القطاع الخاص في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة، وتعزيز تنافسية عُمان وجاذبيتها للاستثمارات الأجنبية، وفرص الأعمال، وغيرها من النتائج الإيجابية المباشرة وغير المباشرة.

لكن في المقابل، هناك تحديات كبيرة وتحتاج للكثير من الحلول والمُبادرات، لا سيما فيما يتعلق بتعزيز أداء القطاعات غير النفطية، مثل القطاع العقاري الذي يعاني من شبه ركود، فهناك العديد من البنايات الخاوية دون سكان، والأراضي السكنية الفضاء، إلى جانب استمرار ضعف القطاع الخاص إذا ما استثنينا القطاع المصرفي، علاوة على تحديات كبيرة تواجهها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولذلك تتزايد الحاجة إلى اتخاذ خطوات وإجراءات تضمن معالجة مواطن الضعف، كي تتماشى مع النتائج الإيجابية المُتحققة على مستوى المالية العامة والاقتصاد الكُلي.

أما على الصعيد الإقليمي، يُمثل الاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات والعمل على تعزيز التعاون فيما بينهما، نقطة تحوّل إيجابية للسلام والاستقرار في إقليمنا، حيث إنَّ عودة العلاقات بين أكبر قوتين في المنطقة، من شأنه أن يعزز من مسارات التنمية ويفتح أبوابًا للازدهار الاقتصادي، في ضوء التطلعات الرامية الى زيادة التبادلات التجارية وتعزيز الاستثمارات المشتركة.

من جانب آخر، تواصل أسعار النفط العالمية صعودها، لا سيما بعد ما قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا بحظر النفط الروسي، في ظل استمرار أزمة الحرب الأوكرانية الروسية، والأزمة الأوروبية وتأثيراتها، وإن كانت أسعار النفط تشهد حاليًا تذبذبات في الأسعار على خلفية تأثر معنويات المستثمرين بسبب أزمة سيليكون فالي بنك.

الخلاصة.. إن العالم من حولنا يتطور ونحن نواصل التطور معه، على الرغم من التحديات والعراقيل والمُهددات التي تحيط بالعالم، لكن يظل الأمل في غدٍ أكثر إشراقًا، ويظل التفاؤل الإيجابي سلاحنا في مواجهة السلبيات التي قد تنطلق من هنا أو هناك.