السعودية وإيران

 

سعود بن حمد الطائي

سأل أحد الصحفيين الغربيين رئيس جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا: لماذا تقيمون علاقات مع "أنظمة دكتاتورية" مثل ليبيا وإيران، فردَّ عليه بأن أعداء أمريكا ليسوا بالضرورة أعداءً لنا، فنحن دولة مُستقلة ولنا مصالحنا المُختلفة مع الأمم الأخرى مثل ما أنتم لكم مصالحكم.

وهذا الرد المُفحِم والموجز هو الذي يفترض أن نعمل به وأن يكون أساسًا لعلاقاتنا مع جميع دول العالم وأن نحرص على تنمية علاقاتنا التجارية التجارية مع الجميع، وأن لا نتبع الغرب في كل شيء على حساب مصالحنا الوطنية والاقتصادية، خصوصًا مع تلك الدول التي تشترك معنا في قيمها الإسلامية وتاريخها المشترك الممتد منذ آلاف السنين، والحدود المشتركة بيننا، كما هو الحال مع إيران واليمن. وهناك دول تطبّق هذه القاعدة، فهي من جهة ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه تقيم علاقات تجارية مع إيران كبيرة للغاية، وقد يصل حجم التبادلات التجارية لمليارات الدولارات.

وعودة المياه لمجاريها العذبة بين المملكة العربية السعودية العزيزة على قلوبنا جميعًا، والجارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة، وتغلب صوت العقل على أبواق الحرب والدمار التي لا تبقي أخضر ولا يابس، لهو حدث حمل معه الكثير من مشاعر البهجة والفرح لكافة شعوب المنطقة. قديمًا قال الجنرال والفيلسوف الصيني "سون تزو" في كتابه "فن الحرب" إن أكبر نصر تحققه في الحرب هو أن لا تحارب وتتجنب ويلاتها ومآسيها الكبيرة.

والدول العربية والإسلامية في أمسِّ الحاجة لأن تدخر أموالها للتنمية والاستثمار في العلم وتوفير فرص عمل لأبنائها بدلًا من الانغماس في الحروب وإذكاء الفتن بين شعوب المنطقة التي عانت من حروب كثيرة ذهب فيها الملايين من الضحايا الأبرياء.

إن إيران المحاصرة من قبل الغرب منذ عقود طويلة بسبب عدم اعترافها بإسرائيل وبسبب برنامجها النووي، دولةٌ غنية بمواردها من النفط والغاز، لكن للأسف حجم التبادل التجاري مع السلطنة لا يرقى إلى مستوى الأدوار الحيوية التي قامت بها في تسهيل الكثير من الأمور بين إيران والغرب.

وعودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران سوف تخلق- بكل تأكيد- فرصًا استثمارية كثيرة، كما قال وزير التجارة السعودي وعلينا نحن جميعًا أن لا نقف مشاهدين ومؤيدين فقط؛ بل أن نعمل على المشاركة والدخول في العديد من هذه المشاريع والاستثمارات التي لا شك سوف تعود بالنفع على أبناء شعوب المنطقة كافة.

ولكي نبدأ المشاركة الإيجابية، علينا أن نعمل على تخصيص أحد موانئنا البحرية لاستقبال وإرسال البضائع إلى إيران؛ إذ إن إيران بحاجة إلى الكثير من هذه البضائع والكثير من المنتجات العمانية مثل المواد الغذائية والكابلات الكهربائية والكثير من المواد  المستخدمة في قطاع البناء والتشييد. وإننا لنأمل إتاحة المجال أمام الطائرات لتسيير رحلات جوية مباشرة من مدن إيرانية مثل كيش وبندر عباس إلى سلطنة عُمان. ولقد تمكن رجال الأعمال من الجانبين ومن خلال الزيارات المتبادلة، أن يتلمسوا فرص الاستثمار.

وعلى الطرف الآخر، لا شك أن انتهاء الحرب في اليمن سيفتح الباب أمام فرص أعمال لإعادة إعمار اليمن، لا سيما في المدن التي دمرتها الحرب ومزقتها النزاعات المريرة، وهنا نعتقد أن ولاية مثل المزيونة مرشحة لأن تكون حلقة وصل لتحقيق انسيابية البضائع التي سوف تسهم في إعادة بناء اليمن؛ ليعود كما كان اليمن السعيد، كما عرفناه دائمًا.