20 عامًا على "لعنة" الغزو الأمريكي للعراق

...
...
...
...
...

 

◄ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق فجّر "شلالات الدم" في عاصمة الرشيد

 

الرؤية- عبدالله الشافعي

قبل 20 عامًا من اليوم، وفي جنح الليل، فزع العراقيون- والعرب جميعًا- من نومهم على أصوات الانفجارات في العاصمة بغداد، التي كانت على موعد مع غزو أمريكي- بريطاني فجر العشرين من مارس عام 2003.

أضاءت الانفجارات سماء العاصمة العراقية وكأنها "كرة من اللهب"- بحسب وصف صحفيين أجانب في ذلك الوقت- بعد سلسلة من القصف الذي استهدف المقرات العسكرية والأمنية العراقية لتدمير أي وحدات يُمكن أن تواجه الغُزاة الذين جاؤوا لإسقاط العراق، بزعم الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، تحت المزاعم الكاذبة بامتلاك أسلحة دمار شامل.

في ذلك الوقت، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد أعلن بداية حرب "الحرية من أجل العراق"، ليخرج صدام حسين مرتديًا الزي العسكري داعيًا إلى مقاومة المُحتلين.

لم تكن نتيجة غزو العراق "الحرية" كما ادعى جورج بوش، فبعدما انتهك القوانين الدولية لم تشهد البلاد إلا القتل والتهجير والتدمير، ليخلف هذا الغزو عشرات الآلاف من القتلى، إضافة إلى ملايين المشردين والخسائر المادية الجسيمة، والأسوأ من ذلك كله انهيار الدولة العراقية، التي كانت يومًا أرضًا لحضارات متعاقبة أسهمت في مسيرة الحضارة الإنسانية.

أضف إلى ذلك، النتائج بعيدة المدى بأن شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرا محوريا على جميع المستويات، وانزلاق أبناء العراق إلى مصيدة العنف الطائفي الذي بلغ ذروته خلال عامي 2006 و2007.

وعلى الرغم من أن إعلان غزو العراق جاء بذريعة أسلحة الدمار الشامل، إلا أن بعض التقارير التي تم تداولها في ذلك الوقت تناولت أسبابا أخرى لهذه الحرب تتضمن أسبابا سياسية واقتصادية، إذ أشارت التقارير إلى أن الحكومة الأمريكية والحكومة البريطانية كانتا متحمستين للسيطرة على ثروات العراق النفطية الهائلة، كما لعب مسؤولو الشركات النفطية دورا كبيرا في التحريض على هذا الأمر، مثل مجموعة هاليبيرتون النفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي آنذاك يتولى إدارتها حتى عام 2000.

وبحسب هذه التقارير، فإن بعض الوثائق السرية التي تم تسريبها تحدثت عن علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق، وقالت إن خططا لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين وبين كبريات الشركات النفطية العالمية، وخاصة البريطانية منها وذلك قبل عام من تاريخ غزو بغداد.

مقاومة الغزو

لقد تجهزت أمريكا وبريطانيا وحلفاؤهم بعدتها وعتادها لهذه الحرب والسيطرة على العراق، إلا أن الأمر لم يكن سهلاً في ظل مقاومة الجيش العراقي الذي استبسل في الدفاع عن أرضه دون غطاء جوي ولمدة 19 يومًا قبل أن تسقط بغداد في التاسع من أبريل.

ألف غارة جوية استقبلتها بغداد في استراتيجية حرب وصفها عسكريون بـ"استراتيجية الصدمة والترويع" الهدف منها التدمير الكامل للمدينة وترويع المواطنين وصدمة الأجهزة العسكرية والأمنية حتى لا تستطيع الرد.

وبعد 5 أيام من القصف قطعت القوات الأمريكية صحراء النجف وصولا إلى أطراف بغداد، بدأت معنويات القوات العراقية في الانهيار خصوصا بعد اتباع سياسة الانتظار داخل المدينة ومقاومة القوات الغازية عند وصولها، إلا أن القصف المتواصل على بغداد أدى إلى تدمير كل شيء.

ولقد لعبت أمريكا جيدا على الجانب النفسي لبعض فئات الشعب العراقي وقدمت وعودا وردية للعراقيين ورسمت لهم لوحة من النمو والرخاء الذي ينتظرهم بعد التخلص من نظام صدام حسين، مستغلين بذلك الوضع الاقتصادي الذي كان يُعاني منه العراق والحصار الخانق الذي فرض عليه.

لقد شهدت الأراضي العراقية منذ سقوط بغداد وحتى نهاية عام 2007 تنفيذ 569 عملية عسكرية من قبل القوات الأمريكية في محافظات متفرقة، لتخلف وراءها مليون قتيل بحسب دراسة لمعهد الاستطلاعات البريطاني في صيف 2007.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن أمريكا فقدت 4487 عنصرا في هذه الحرب منذ الغزو وحتى الانسحاب، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 32 ألف أمريكي، في حين فقدت بريطانيا 179 عسكريا بالإضافة إلى 139 من عساكر حلفاء آخرين، بحسب الإحصائيات الصادرة عن البنتاغون.

وبعد مرور 20 عاما على هذا الحدث الأليم، أبرزت صفحة الرأي في صحيفة "الجارديان" البريطانية مقالًا بعنوان "الدرس الحقيقي لغزو العراق"، ذكر فيه كاتبه جوناثان فريدلاند أن الأخطاء والمبالغات والأكاذيب التي أدت إلى الغزو تقدم دروسًا أساسية لحاضرنا في الصراع وما بعده. ويشير فريدلاند إلى أنه أمضى جلّ الأسبوع الماضي منقبًا في كل ما يتعلق بالغزو الأمريكي للعراق في أرشيف الإعلام البريطاني، وخرج من هذا الانغماس والتأمل بدرسين أساسيين.

وأشار إلى أن الدرس الأول هو عدم إلحاق الضرر أو الأذى، موضحا: "الحجج التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش للحرب على العراق كانت كثيرة، ولكن كان المبدأ الأساسي لقضية التدخل العسكري هو أنه كان لمصلحة الشعب العراقي نفسه الذي سيُحرَّر من قبضة طاغية وحشي، والإطاحة بصدام حسين وقعت بالفعل، ولكن بتكلفة باهظة بلغت نحو 300 ألف شخص، وفقا لأحد التقديرات معظمهم من المدنيين العراقيين، كما أن الغزو أحدث فراغا مُلئ بالرعب وسفك الدماء لدى العديد من العراقيين، وكان العلاج الذي وصفه مهندسا الغزو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير أسوأ من المرض، فمهما كان النظام مروّعا، فإن الفوضى والاضطراب أسوأ".

وتابع أن الدرس الثاني هو أنه عندما يتعلق الأمر بالاستخبارات السرية يجب أن يكون الجميع متشككا، مضيفا: "عند طرحَ قضية الحرب، ركز بلير تركيزا كبيرا على المعلومات الاستخباراتية التي رآها، والتي قال إنها أثبتت أن صدام كان يمتلك أسلحة دمار شامل، ولكن تبيّن أن هذا كان خاطئا تماما، إذ لم تكن هناك أسلحة دمار شامل وانتهى تحقيق تشيلكوت في غزو العراق إلى أن رئيس الوزراء آنذاك قد ضخم التهديد عمدا، وهذه الحقيقة وحدها تكفي لأن يلعنه التاريخ".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة