علي بن سالم كفيتان
يسود اعتقاد عميق بأنَّ معظم المبادرات التي تستهدف دعم مُربي الماشية في محافظة ظفار تتعثر وآخرها شركة المروج للألبان التي عُلقت عليها الكثير من الآمال لتكون الرافد الرئيسي لهذه الشريحة المهمة من المجتمع، من خلال استقبال حليب الأبقار والإبل وتصنيعه وتسويقه انطلاقًا من ظفار عبر علامة عُمانية أصيلة، تُساهم في تغطية جزء من الاحتياج المحلي للحليب ومشتقاته والتصدير للخارج على المدى المتوسط.
الشركة هي إحدى أذرع الجهاز العُماني للاستثمار الذي يُدير منظومة الأمن الغذائي من خلال مجموعة نتاج، وكانت مبررات إقامة هذه الشركة قبل عدة أعوام، تحويل فكر المربي من مستهلك إلى مستثمر، مما سوف ينعكس إيجابًا على دخل هذه الفئة ويساهم في التقليل من الكم لصالح الكيف، وهذا بدوره سيساهم في تعافي النظم البيئية المُنهكة في محافظة ظفار، ويعطي مردودًا إيجابيًا لتنمية وتطوير واستدامة السياحة البيئية ويعمل على ترسيخ الأمن الأهلي، وقد خُصِصَ للمشروع 54 مليون ريال... فما هو الموقف اليوم؟!
دراسة الجدوى الاقتصادية بينت نجاح المشروع؛ كونه يرتكز على ظهير رعوي قوي في ظفار، استطاع الأهالي الحفاظ عليه عبر المراحل المختلفة، وراهنوا عليه وتحملوا الكثير من التحديات الاجتماعية والاقتصادية في سبيل ذلك؛ فالمواشي موجودة ورعايتها تتم عبر مُلَّاكِها وتتغذى على مراعٍ طبيعية في أغلب الأحيان، وتخضع لرعاية بيطرية جيدة، وبالتالي مثّلت هذه المميزات مجتمعة فرصة اقتصادية لا تعوض؛ فالشركة لم يتبق عليها سوى استقبال الحليب والتأكد من جودته ومن ثم تصنيعه وضخه في الأسواق. المواطن البسيط ساهم في هذه المبادرة بحوالي 70% من تكاليف نجاحها تقريبًا، وتحمل فيما بعد مصاريف التجميع والتوصيل إلى مراكز الاستقبال، إلا أن المشروع ظل متعثرًا ولم يحقق الأهداف المأمولة، وتراكمت الاستحقاقات المالية لملاك الماشية على الشركة، ومع ذلك ظل المُربُّون متمسكين بخيط الأمل الوحيد الذي أمتد لهم ولم يتراجعوا عن الاستمرار في مد الشركة بالكميات المطلوبة من الحليب، وزادت المطالبات بفتح مراكز استقبال جديدة في ولايات أخرى غير صلالة، وهنا لابُد من طرح التساؤل التالي: أين تكمن المشكلة؟
نعتقد أنَّ إدخال المشروع ضمن نفق المراحل التجريبية وعدم وجود قناعة لاستكمال كافة مرافقه شكل سببًا محوريًا في تذبذبه، فحسب ما نما إلى علمنا أن الشركة صُرفت لها الأرض المناسبة في مكان مثالي بولاية صلالة، وكان مخططا لها إقامة مصانع ومرافق مستقلة، إلّا أن تلك الأمور تم التغاضي عنها مرحليًا لصالح عميل آخر أُدخل كشريك وكُلِّفَ بتصنيع وتسويق الحليب في الوقت الذي يمثل فيه ذلك الشريك أحد المنافسين في السوق المحلي لمنتجات الحليب، ومن ثم تنازلت المروج لأسباب غير معلومة لدى الرأي العام عن بقية المكونات الرئيسية لقيامها ككيان مستقل في السوق المحلي؛ فأصبحت مجرد وسيط لتجميع الحليب. وبعد عام ونيف من عمر الشركة لم تستطع المروج الوفاء بالتزاماتها المالية للمربين؛ كون المتعهد بتصنيع وتسويق منتجاتها لا يرغب في التعاون وفق الأسعار الحالية، بحجة أن سعر الاستقبال من المواطن مرتفع، مما انعكس على سعر التسويق. وهنا بات لا بُد من إيجاد حلٍ، فكان تدخل جهاز الاستثمار لصالح شركة مزون بمد نطاق عملياتها إلى ظفار.
نرى أن هذا التدخل سيكون مرحليًا كسابقه، فليس من المنطقي أن يتم تجميع الحليب من ظفار ونقله إلى البريمي عبر صهاريج تقطع رحلة يومية تزيد عن 1000 كم مع وجود هامش ربح، فإذا كان المتعهد المُنسحِب لم ير جدوى وهو يملك المصنع في ظفار، فكيف بهذه العملية أن يكتب لها النجاح والبقاء؟ يجب أن يقتنع القائمون على معالجة هذا الوضع أن الحل الأنسب هو منح الثقة الكاملة لشركة المروج واستكمال جميع منشآتها المقررة وفق دراسة الجدوى الاقتصادية كإقامة المصانع المكملة للمشروع وأن تدخل للسوق كمنافس محلي كامل الأهلية وليس كوسيط تجميع لصالح الآخرين.
كما يجب أن تمنح ظفار المزيد من الثقة فهي قادرة بمقوماتها الطبيعية وإنسانها المكافح على إنجاح الكثير من الفرص التي سوف تشكل نقلة نوعية للوطن بأكمله، ومن الأهمية بمكان تقوية ودعم المجتمعات الرعوية في السلطنة بشكل عام حيث إن ذلك سيساهم في رفع مستوى الرفاه الاجتماعي لشريحة كبيرة من الناس ويحقق آمال وتطلعات رؤية "عمان 2040"، خاصة فيما يتعلق بحماية النظم الإيكولوجية في السلطنة؛ فالإدارة غير المُنظّمة الحالية لقطاع الثروة الحيوانية تُسبب ضغطًا هائلًا على المنظومة البيئية، وتزيد من رقعة التصحر وفقدان الأنواع بشكل مضطرد.
حفظ الله بلادي.
...............................................
يتطلب الأمر منح المربين متأخراتهم المستحقة على الشركة دون تأخير أو تسويف كأولوية قصوى؛ فالظروف المحيطة بهم في هذه المرحلة صعبة للغاية.