أين الأُسر من حديث "أقلهنَّ مهرًا أكثرهنَّ بركة"؟!

تيسير الزواج.. واجب ديني وضرورة مُلحة لتعزيز التماسك المُجتمعي

 

بني عرابة: ارتفاع المهور والمبالغة في استعدادات الزواج في مقدمة معيقات الزواج

الخروصي: التخوّف من مشاكل الزواج يدفع بعض الشباب لإرجاء الارتباط

مقترحات بالتوسع في "الزفاف الجماعي" للحد من المصاريف غير الضرورية

ضرورة تنظيم دورات تدريبية للمُقبلين على الزواج حول مفاهيم "السعادة"

إصرار بعض الأسر على شروط قاسية لإتمام الزواج يرفع معدلات "غير المتزوجين"

 

الرؤية- سارة العبرية

يمثل الزواج أحد أهم القرارات التي يتخذها المرء في حياته، ويتطلب الكثير من الاستعداد والتفكير الجيِّد قبل اتخاذ القرار، والالتزام بالحقوق والواجبات المترتبة على الحياة الزوجية.

وتيسير الزواج على الشباب مفهوم يهدف إلى تسهيل وتيسير الزواج للشباب، وذلك عن طريق تقديم الدعم والمساعدة لهم في إيجاد شريك الحياة بطريقة سهلة وميسرة، وذلك بمختلف الوسائل المُمكنة، منها توفير الدعم النفسي والاجتماعي للشباب الذين يعانون من صعوبة في العثور على شريك الحياة، تقديم النصح والإرشاد للشباب بشأن كيفية اختيار الشريك المناسب، وذلك بناءً على القيم والمعايير الإسلامية الصحيحة، كذلك تقديم المساعدة المادية للشباب الذين يواجهون صعوبة في تحمل تكاليف الزواج، وذلك عن طريق تقديم الهدايا والمساعدات المالية والتبرعات، أيضًا تنظيم الفعاليات الاجتماعية والأنشطة التي تساعد الشباب على التعرف على بعضهم البعض وتبادل الآراء والأفكار، بالإضافة إلى توفير المنصات الإلكترونية والتطبيقات التي تساعد الشباب في البحث عن شريك الحياة المناسب، وذلك بطريقة سهلة وآمنة.

أسباب وعوائق

د. هلال بني عرابة.JPG
 

يقول الدكتور هلال بن خلفان بني عرابة الموجه الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن قرار الزواج من أصعب القرارات المصيرية التي من الممكن أن يتخذها الشاب؛ حيث إن هذا القرار يُمثل انتقالاً جذريّاً ونقطة تحوّل مُهمة من حياة العزوبية إلى الحياة الزوجية المليئة بالواجبات والمسؤوليات، وفي إطار هذا الأمر يمكن القول إن من بين أهم الأسباب التي تعيق الشباب عن اتخاذ قرار الزواج هي البطالة التي يرزح تحت وطأتها الشباب، وارتفاع المهور وتكلفة الزواج والهروب من المسؤولية، وتغيير المفاهيم المتعلقة بالزواج نتيجة هجمة المدنية الحديثة وكذلك عدم وجود إلحاح من العائلات على أولادهم مقارنة بالسابق.

د. هلال الخروصي.JPG
 

من جانبه، يوضح الدكتور هلال بن عبدالله الخروصي أخصائي توجيه نفسي وباحث شؤون إسلامية إن من أبرز الأسباب التي تعيق الشباب عن الزواج الأفكار والقناعات غير الصحيحة تجاه الزواج بسبب ما يسمعونه من مشاكل كثيرة سواء كانت واقعية أو غير واقعية حصلت مع معارف لهم أو أحد المقربين، أيضًا ما تسوقه الدراما من الكم الضخم من بعض الإعلام السلبي والدراما حول الخيانات الزوجية توهم الرجل بأنه إنسان سيىء والمرأة ذات مصلحة ومسرفة ومترفهة، أيضاً من ضمن من الأسباب كثرة العلاقات غير الشرعية والتبرير لها والتهوين فيها هذه تساهم بشكل كبير في تأخير فكرة الزواج وكذلك بعض الأفكار الداخلية البحث عن الحرية توحي للشخص بعدم الحاجة إلى شريك حياة وتزين هذه الفكرة للشباب، كذلك المظاهر الاجتماعية والمتطلبات الكبيرة التي تثقل كاهل الشاب وراتبه الشهري لا يكفي لتوفير كل هذا.

تعزيز الوعي

ويذكر بني عرابة أنه نظراً لارتفاع المهور وتكاليف حفل الزواج، فإن الزواج الجماعي قلل بعض الشيء من مصاريف الزواج المتمثل في المهر والشبكة وعقد القران والزفاف ووليمة الزواج؛ مبيناً أن من ثمرة الزواج ترسيخ مبدأ التكافل من أجل الدعم لهذه الأعراس وتشجيع الشباب على الزواج وترغيبهم فيه وتوعية الشباب وغرس المفاهيم الإسلامية والتربوية فيهم من خلال الدورات التدريبية والنشرات التوعوية والتي تسهم بدورها في تكوين أسرة صالحة تـكون نواة لمجتمع سليم.

فيما يقترح الخروصي إقامة بعض الدورات الخاصة بالسعادة الزوجية ومن أهمها دراسة الفرق بين عقل الرجل وعقل المرأة فهما جنسان مختلفان في كل التكوينات العقلية والفيسيولوجية حتى نتفادى حصول المشكلات المستقبلية.

ويؤكد أنه يجب يكون منظومة متكاملة بين الأوقاف والتنمية والتربية والجمعيات الخيرية تتكاتف جميعًا لرفع مستوى الوعي من خطب الجمعة والتثقيف الديني والدورات العلمية من قبل العاملين في التنمية الاجتماعية وتكثيف الإعلام والبرامج الإذاعية واستغلال مواقع التواصل بشكل كبير وعمل المطويات، مشيرا بأن الزواج يقوم على التكافل الاجتماعي من تبسيط لمتطلبات الزواج وفي الجانب المقابل عندما يتزوج شاب يساهم المجتمع بالتعاون ماديًا حتى لا يتحول العرس إلى ديون تكلف الشاب سنوات طويلة وهذا عامل خطير للمشاكل الزوجية ومؤشر مستقبلي للطلاق العاطفي.

ويوضح الدكتور هلال الخروصي أن بعض الأسر تُصر على شروط  قاسية  للموافقة على الزواج؛ فيجب معالجة هذا الأمر بالتبصير والتوعية ورفع مستوى الثقافة عند المجتمع، وهذا الزوج أصبح فردا من أفراد العائلة وسعادته من سعادة ابنتكم وسعادتكم فكلما ألزمناه بتكاليف عالية أرهقناه على حساب راحة أسرته، فلابد من الوعي بالتبعات وإبعاد هذا العبء، أيضا التخلص من المقارنات الظالمة؛ فظروف الناس تختلف والمقارنة تجعلنا ندوس على ظروفنا المالية حتى لا نكون أقل من الآخرين، كذلك يجب أيضا أن لا تكون هناك عقدة النقص حتى لا يشعر الابن بأنه أقل من الآخرين أو نفرض على الخاطب شروطًا قاسية نعقد عليها الزواج وهذا يجيب على تساؤل لماذا ازدادت حالات الطلاق بين الزوجين بعد سنة أو سنتين ولماذا ارتفعت نسب الاكتئاب بين المتزوجين يرجع إلى الخلافات والشروط بين الأهل والزوج يطلبون بيتا مستقلا وبعضهم شهر العسل في دولة معينة وقاعة محددة لماذا كل ذلك.

دور المؤسسات

ويرى الخروصي أن وزارة التنمية الاجتماعية تقوم بجهود جبّارة لرفع مستوى الوعي وكذلك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية باستمرار الخطب الجمعية والمحاضرات الدينية حول هذه المواضيع وكذلك عشرات البرامج الإعلامية الجميلة حول الاسرة تبقى المسؤولية الحقيقة على عاتق المجتمع والفرد يبدأ من نفسه، وقال الله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، مؤكدا أنه يجب علينا أن نتخلص من ثقافة المباهاة والمظاهر والمقارنات، وكما جاء في الحديث "أقلهنَّ مهرًا أكثرهنَّ بركة".

ويتابع أن صندوق الزواج مشروع رائع وخاصة أن الأمر مرتبط ببناء أسرة؛ حيث إن الأسرة هي التنمية المستدامة ونواة المجتمع واقتصاد الأوطان الذي يقوم على كثافة السكان. ويشيد الخروصي بالجهود التي تقوم بها الفرق الخيرية لتنظيم الأعراس الجماعية، مثمنا بالجهود ورجال الأعمال الذي يتكفلون بتكاليف العراس الجماعية ويدعمون بأموالهم.

المجتمع العُماني

لكل مجتمع له ثقافته وتقاليده الخاصة، وبالتالي يجب مراعاة هذه الاختلافات عند دراسة النماذج وتطبيقها في عُمان؛ حيث يمكن النظر إلى نماذج دول الخليج المجاورة؛ فهناك توجد عادات وتقاليد مشتركة مثل عادة الزواج المُبكر والزواج العُرفي، ويمكن دراسة كيفية تطوير هذه العادات والتقاليد بطريقة تتناسب مع المجتمع العُماني وتحافظ على قيمه وتراثه، ويجب أن تستند إلى دراسات وأبحاث متعمقة لضمان فاعليتها والحفاظ على مكانة المجتمع العماني وهويته الثقافية. كما يمكن دراسة نماذج من دول أخرى مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا فعلى سبيل المثال في تركيا يتم الاهتمام بالعائلة بشكل كبير، ويتم تشجيع الزواج من خلال العائلة والأصدقاء.

ويوضح أخصائيو الاستشارات الأسرية أن تسهيل الزواج يعتمد في الأساس على تغيير ثقافة الأسر والشباب، بضرورة البدء في تكوين أسرة صغيرة بالإمكانيات المتاحة دون اللجوء إلى مظاهر التباهي والاقتراض وغيرها من التصرفات السلبية على عدة عوامل، ومنها: التوعية؛ إذ يجب توعية الأسر والشباب بأهمية الحفاظ على المال وعدم الإسراف، وضرورة العيش بحسب الإمكانيات المادية المتاحة، وذلك عن طريق إقامة حملات توعوية وورش عمل للتحدث عن أهمية تحقيق الاستقرار المادي وتفادي الديون العالية، وكذلك القدوة، حيث يجب أن يكون الأهل والمجتمع أنفسهم قدوة حيث يتمتعون بأسلوب حياة بسيط ومتواضع يحترم قيمة المال ويتفهم أهمية العيش بحسب الإمكانيات المادية المتاحة، إلى جانب التعليم؛ أي تضمين مفاهيم التوفير والعيش بحسب الإمكانيات المادية المتاحة ضمن المناهج الدراسية، ويمكن توفير ورش عمل خاصة للشباب والأسر حول الإدارة المالية وكيفية العيش بحسب الإمكانيات المادية المُتاحة، كذلك يمكن تبني تدابير قانونية التي تُشجع الناس على تجنب الديون العالية والحفاظ على المال بالطرق الصحيحة، ويمكن أن تشمل هذه التدابير بإعطاء مزيد من الحماية للمستهلكين وتنظيم قروض الاستهلاك، إضافة إلى الإبداع وذلك عن طريق استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا لتوعية الأسر والشباب بأهمية العيش بحسب الإمكانيات المادية المتاحة، ويمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعرفة.

تعليق عبر الفيس بوك