مشكلة "تيك توك".. فقط لأنها صينية!

مؤيد الزعبي **

منح البيت الأبيض جميع الوكالات الأمريكية الفيدرالية 30 يومًا لإزالة تطبيق "تيك توك" من جميع الأجهزة الحكومية، وقال البيت الأبيض إنَّ التطبيق يتسبب في مخاوف متعلقة بالأمن القومي الأمريكي!

هنا أتساءل معك عزيزي القارئ: هل تعتقد أن التطبيق فعلًا يُهدد الأمن القومي الأمريكي؟ وماذا لو كان التطبيق ليس صينيًا، فهل سيكون مصدر تهديد بالنسبة للولايات المتحدة؟ أعتقد أنك ستتوافق معي في الرأي أن مشكلة تيك توك فقط أنها منصة صينية، وعلى الرغم من أن القائمين على تيك توك قد وضحوا مرارًا وتكرارًا أن بيانات المستخدمين بعيدة كل البعد عن السلطات الصينية إلا أن الجانب الأمريكي كان ومازال وسيظل يربط بين أي شركة صينية والحكومة الصينية حتى لو كان الأمر غير منطقي ولا حتى مبرر.

وصلت منصة تيك توك لأكثر من 1.7 مليار مستخدم نشط، وهي المنصة الوحيدة غير الأمريكية في قائمة منصات التواصل الاجتماعي ولهذا نجد كل هذه الانتقادات والتخوفات من الجانب الأمريكي في حين أن وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية بما فيها فيس بوك أو انستغرام أو حتى تويتر جميعها تستخدم بياناتنا كمستخدمين وتسجلها وتحللها سواء لاستخدامها في توجيه الإعلانات أو حتى التجسس، وقد ثبت مرارًا استخدام هذه المنصات في التأثير على الرأي العام الأمريكي وتوجيهها لخدمة مصالح وتدخلها في الانتخابات الأمريكية نفسها، ولكن كل هذا لم يهدد الأمن القومي الأمريكي في حين أن منصة تيك توك تهدد الأمن القومي، وفي الحقيقية بات الأمر واضحًا جليًا؛ المشكلة ليست تقنية بل المشكلة حرب تكنولوجية لا تريد الولايات المتحدة أي تفوق صيني بهذه الحرب.

رغم كل المعيقات حقق تطبيق تيك توك إقبالًا كبيرًا في جميع أنحاء العالم، وسواء قبلنا المحتوى الذي يعرض فيه أو كان لدينا بعض الانتقادات للتطبيق إلا أن هناك حقيقة يجب أن نعترف بها جميعًا؛ الحقيقة تقول إن مطوري تيك توك أذكياء جدًا؛ حيث استخدموا خوارزميات ذكية وقادرة على جذب المستخدمين نحو المنصة وجعلهم يمضون وقتا طويلا في تصفح محتوياتها والدخول إليها ليكونوا من مشاهيرها وروادها، وفي هذا الجانب تكمن الخطورة وتهديد الأمن القومي الأمريكي؛ فكيف لشركة صينية أن تصل لمثل هذا التطور من البرمجة والقدرة على إيجاد منصة بهذا الحجم وتقدم محتوى مصورا أي أنها تحتاج سيرفرات عملاقة لتحميل كل هذا المحتوى، كل هذا لدخول تطورات وتقنيات لم تكن موجودة في أي منصة منافسة من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز في إعداد المحتوى وصناعته، وبالنسبة لي أجد أن هذه التقنيات المتطورة هي كل ما تخشاه الولايات المتحدة من صعود تيك توك وتطوره بهذا الشكل الملفت، وتيك توك كمنصة لا يوجد ما يعيبها سوى وجوب وضع بعض المعايير الأخلاقية في تقييم المحتوى وفلترته، وهذه مشكلة عامة نواجهها مع جميع منصات التواصل الاجتماعي.

لكي لا نكون متحيزين لأي طرف في هذا الصراع التكنولوجي ولكن من الملاحظ أن أي شركة صينية تصعد بهذا الحجم العالمي تحاول القوى الغربية تحطيمها وإفشالها، وكما كان الحال مع صعود هواوي وقلق الولايات المتحدة من هذا الصعود حتى قامت بحظرها وحظر التعامل معها لإسقاطها وإفشال مشروع نجاحها، واليوم نفس السيناريو وبنفس الأدوات تواجه تيك توك نفس المصير ولكن قواعد اللعبة متغيرة اليوم، خصوصًا وأن تيك توك يستحوذ على هذا العدد الضخم من المستخدمين.

من حيث المحتوى فوسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية تعج بالمحتوى الخادش للحياء، وبعضها يروج للعنف ويروج للمخدرات، وبعضها كان سببًا في انتشار أفكار إرهابية وسمح بشكل أو بآخر بظهور محتوى إرهابي بشكل صريح وعلني، وفيما يختص بسرية المعلومات فمعلوماتنا وبياناتنا وذكرياتنا ولحظاتنا كلها مرصودة هناك في سيرفرات وادي السيلكون، بل إن الأمر تعدى كل هذا فهناك الملايين ممن رصدوا تجارب صادمة من انتهاك الخصوصية والتجسس على بياناتهم وأحاديثهم لتمرير إعلانات مستهدفة، فلماذا كل هذا التحيز رغم أن الصورة باتت واضحة للعلن؛ كل ما صُنع في الصين يهدد الأمن القومي الأمريكي.

لن تكون تيك توك هي الشركة الوحيدة التي ستهدد الأمن القومي الأمريكي، فالحرب التكنولوجية مازالت لم تبدأ بشكل شرس، ولاحقًا سنسمع على تهديدات كثيرة للأمن القومي الأمريكي، وأعدك- عزيزي القارئ- أننا لن نتوقف هنا فقط؛ بل لنا صولات وجولات في هذا الميدان المحرك للاقتصاد العالمي في قادم السنوات، والتفوق فيه يعني التفوق في العديد من الأمور، ولهذا سيتحرك البيت الأبيض لأي صعود صيني في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات وحتى المنصات، لأن هذه تعكس فوبيا (مخاوف) أمريكية من الصين وشركاتها وتطوراتها.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط