درس بقيمة 1.75 مليار دولار!

عبدالعزيز بن صالح الفهدي

مع بدء جائحة كوفيد 19، وخلال  شهر أبريل من العام 2020، أُطلِقَ تطبيق "كويبي- Quibi"، وهو عبارة عن منصة تهدف إلى نشر مقاطع الفيديو القصيرة، وعروض البث الترفيهية المباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فأصبحَ على الفور منافسًا وبشدة لشبكات المحتوى الرقمي مثل "نتفليكس" و"ديزني بلس"، إضافة إلى منصات التواصل المرئية مثل "يوتيوب" و"تيك توك" وغيرهم.

وتتميز منصة "كويبي" بعرض محتوىً قصير ومختصر؛ حيث تقدِّم مكتبةً من المسلسلات، والبرامج الإخبارية والملخصات التي تستغرق مدة 10 دقائق أو أقل، وتتوفر المنصة فقط على الأجهزة النقالة؛ حيث تستهدف الجيل الذي يُشار إليه اختصارًا بحرف(Z)  والمعروف بجيل المرحلة العمرية بين  1997- 2012، وهو جيل يفضِّل استخدام التطبيقات بدلًا من استخدام المواقع.

ورغم أن الشركة لا توفر موقعًا إلكترونيًا، إلا أنها قدَّمت تجربةً مجانيةً تصل إلى 90 يومًا، واشتراكًا شهريًّا بقيمة 8 دولارات للنسخة الخالية من الإعلانات، وبقيمة 5 دولارات للنسخة الإعلانية. وعند مقارنتها بالمنصات الأُخرى، فإنَّ اشتراك شبكة (نتفليكس) يبلغ 10 دولارات دون إتاحة فترة مجانية، في حين يبلغ اشتراك ديزني پلس 8 دولارات، أما الاشتراك في (اليوتيوب) فيتيح الاستخدام مجانًا ولكن مع وجود الإعلانات، أو بدون إعلانات مع دفع اشتراك شهري تختلف قيمته من دولة لأخرى.

حظيت منصة "كويبي" بقيادة عمالقة في مجال الترفيه؛ أي أنَّ المؤسس هو جيفري كاتزنبيرج المدير السابق لأستوديوهات ديزني وقد أشرف على إنتاج العديد من أشهر الرسوم المتحركة مثل (شريك) و(كونج فو باندا) وغيرها من الأفلام التي حققت ملايين من الإيرادات، والمشاهدات حول العالم.

وقد ترأست إدارة المنصة (ميج ويتمان) التي لها باع طويل جدًا في المجال الإداري بحكم رئاستها لشركات عديدة أشهرها (إيبايeBay) وشغلت وظيفة المسؤولة التنفيذية في شركة (والت ديزني)، وقبل ذلك كانت نائبةً لرئيس التخطيط الاستراتيجي في الشركة طوال الثمانينيات من القرن الماضي.

لذلك كانت منصة (كويبي) تمتلك عناصر جعلت المستثمرين يثِقون بأنَّها ستحقق نجاحات عاليةٍ جدًا وهذا ما حصل؛ فبمجرد الإعلان عن الفكرة حصلت المنصة على دعمٍ استثماري عالٍ جدًا وهو 1.75 مليار دولار، والمدهش أنها حصلت على هذا الدعم المالي الكبير حتى قبل أن تحصل على مشترك واحد!

وفي غضون أسبوع واحد فقط من إطلاق التطبيق، حقق "كويبي- Quibi" رقمًا قياسيًا في عدد التحميلات، حيث قام حوالي 1.7 مليون شخص بتنزيله، وفقًا لتصريحات مديرة الشركة ميغ ويتمان لوكالة رويترز.

وكالكثير من أفلام (ديرني) و(نتفليكس) و(هوليوود) لم تكن النهاية سعيدة دومًا! لقد تأسست شركة (كويبي) في سنة 2020، وكُتبت نهايتها سنة 2020 أيضًا.

فماذا حدث؟!

كما أشرت سابقًا أنَّ تركيز المنصة كان محدودًا على فئة يُطلق عليها "جيل Z" وهي فئة عمرية بين أعوام 1997- 2012، ولكن استهدافها لهذه الفئة العمرية لم يكن مدروسًا بشكلٍ كافٍ؛ أي أنَّ المنصة كانت توفر أفلامًا ومسلسلاتٍ وأخبارٍ لا تناسب الفئة العمرية المستهدفة!، كما أنها كانت تدشِّن سلسلة أفلام لمُمثلين قدامى!

هذا المحتوى المتاح لم يكن مناسبًا للفئة المستهدفة مما أتاح لـ"تأثير الدومينو" أن يبدأ في العمل، بدءًا من انخفاضٍ حادٍّ في عدد التنزيلات للتطبيق، من ثم انخفاض عدد الاشتراكات، وانخفاض الإيرادات، وصولًا إلى ارتفاع التكاليف مُقارنةً بالإيرادات.

وهنا أُشير إلى أنَّ العديد من الشركات تعتمد على مصدر دخل واحد فقط، وهذا خطأٌ فادحٌ جدًا؛ حيث إن المخاطرة هنا تُعَدُّ عاليةً؛ لأنَّه إذا توقَّف المصدر الوحيد فإِنَّ الشركة ستغرق في الديون، والخسائر المالية.

لذلك فإنَّ دراسة سلوك المستهلك مُهمة جدًا؛ حيثُ أُشبِّهُ الشركة بالقارب في المحيط الذي يتأثر باستمرار بالبيئة الخارجية، فإن لم يتكيَّف القارب مع الأمواج، أو يتأقلم مع الريح، فإِنَّهُ يبحر عكس التيَّار، مما يؤدي به إلى الغرقِ في النهاية، وبالمثل، إذا لم تدرس المؤسسة وتفهم سلوك مستهلكيها وتتواكب مع رغباتهم وحاجاتهم، فقد تواجه خسائر كبيرة.

لا شك أن معرفة تفضيلات العملاء، وعاداتهم، وطريقتهم في اتخاذ القرار للشراء أمر ضروري في وضع استراتيجية تجارية ناجحة، أما في حال عدم فهم هذه العوامل الأساسية فقد يؤدي ذلك إلى خسارة كبيرة للعملاء والإيرادات، وفي نهاية المطاف تسقط الشركة كما حدث مع منصَّة "كويبي"، لذلك، فكما على القارب أن يتكيَّف مع المُحيط المُتغير باستمرار، فإنِّه يجب على الشركات بالمثل التكيف مع سلوك المستهلك المتغير باستمرار، من أجل تطورها، ونمائها وبقائها في السوق.

تعليق عبر الفيس بوك