سائق الحافلة الغامض

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

كانتْ الطفلةُ الصغيرةُ تقفُ في الباص تحاول أن تتمسك بالمقبض الذي يساعدها أن تكون متوازنة نوعًا ما بسبب الازدحام اليومي في الحافلة، لكن هذه المرة أحسّت بأنها تفقد توازنها، وأن قوة غريبة تسحبها للخارج، وأنها بدأت في السقوط خارج الحافلة.

نعم.. لقد سقطت والباب كان مفتوحًا، ولم يكترث لها ذلك السائق الغامض؛ بل واصل مسيره، وكان حال الطفلة الممدة على الشارع ليس بطيب؛ إذ إنها تتلوى من الألم ومن هول الصدمة التي تعيشها آنذاك، لكنها تماسكت وحاولت جاهدة أن تقف أو تجلس، لكن الألم كان أكبر وسقطت مرة أخرى؛ بانتظار أن تصل لها يدُ العون والمساعدة، إلّا أنَّ سائق الحافلة ومن فيها لم يعد أدراجه، والطفلة ظلت تتلوى طويلًا من الألم، وبعد وقت تصل إليها طالبتان في نفس عمرها، لكن ما حولهن وما قوتهن في مساعدتها؟!

تتوالى تلك المشاهد المؤلمة حقًا وتمر علينا بوجع تدمع العين منه ويؤلم المشاعر والوجدان ويحزن الجميع بسبب هذه التصرفات اللاواعية من جهة البعض القاتل نعم يحق لنا أن نطلق عليه قاتلًا، لكونه كان سببًا في وقوع تلك الحوادث المؤلمة مميتة كانت أم جارحة.

بحمد من الله أن الطفلة تم إسعافها وتلقت العلاج اللازم في المستشفى وهي بصحة جيدة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا ذلك؟!

يجب وضع ضوابط رادعة لكل سائق حافلة يحمل أرواحًا برئية، لعلها لا تدرك كيفية المحافظة على روحها من خلال اتباع طرق السلامة والنظام في الحافلة، وما بالك بحافلة مليئة بعدد أكبر من اللازم؛ إذ يجب على سائق الحافلة عدم التحرك من المكان حتى يطمئن على سلامة جميع الطلبة، ومن جلوسهم بطريقة منظمة، لكي يسهّل لهم النزول من الحافلة بكل أريحية، وأن لا يجعل الفوضى تعمّ أو أن ينشغل بهاتفه أو ربما بسماع الأغاني، التي تصرفه عن التركيز وعن الانتباه لما هو أهم، وربما ينشغل بسماعته لكي لا يستمع لضجة الأطفال.. وقس على ذلك كثيرا!

من هنا يجب على المسؤولين في وزارة التربية والتعليم وضع ضوابط بالتنسيق مع شرطة عمان السلطانية للحد من هكذا تصرفات لا تمت لأخلاق المجتمع العماني، تصرفات تمثل من يقوم بها وأفعال غير طيية لا تليق بالعماني صاحب النخوة والعز والتعاون والتآزر والتماسك.

لقد كان تاريخ الحافلات المدرسية في السلطنة حافلًا بمثل هكذا مشاهد والعكس صحيح، فقبل أشهر أشدنا وأشادت عُمان جميعها بسائق الحافلة الذي أنقذ ذلك الطفل من قبضة الكلاب الضالة؛ فالصفات تختلف، والمواقف تتباين، وأنت الذي تحدد مسارك؛ إما فخر بك أو أن تناقض نفسك وسلوكياتك بتعريض حياة الأطفال الأبرياء الذين خرجوا من بيوتهم وهم أمانة في يديك، فلا تعرض حياتهم للخطر، وإنما تحميهم وتحافظ عليهم.. فأنت مُؤتمن، والمؤتمن على الأرواح يحمل أمانة عظيمة، وأمانتك عظيمة لا تقل شأنًا من المؤتمنين على الأموال في البنوك أو مناجم الذهب أو أي أمانة أخرى..

أطفالنا أمانة يجب المحافظة عليهم باختيار سائق حافلة مؤهل أولًا تأهيلًا علميًا وسلوكيًا وصاحب خبرة، أما ما نشاهده من توظيف بعض الشباب غير المسؤولين، فيجب الحد منه من خلال وضع إجراءات صارمة واشتراط اجتياز اختبارات مُعينة؛ ليتمكن هذا السائق من حمل الأمانة الملقاة على عاتقه؛ فوقت الجد جدٌ، ووقت العمل عمل، والأرواح غالية لا تقدر بثمن، والموت لا يستأذن؛ بل ينتظر السبب، فلا تكن أيها السائق سببًا في خسارة الأرواح باستهتارك وعدم مبالاتك واستعجالك الذي قد يعجل بالقدر المحتوم.