"أبراج"

 

سعود بن حمد الطائي

الإقبال الواسع والاهتمام الشديد بالاكتتاب في شركة أبراج لخدمات الطاقة (قيد التحويل) يعيد إلى الأذهان الأيام الذهبية لسوق مسقط للأوراق المالية (سابقًا، الآن: بورصة مسقط) عندما كانت الإصدارات والاكتتابات تُغطّى بأضعاف أسعارها.

ولقد مضت فترة من الزمن قلّت فيها الاكتتابات وندرت الإصدارات وتفرق المستثمرون، وربما قد عاد الزمن من جديد وحان الوقت لنطوي صفحة وباء كورونا وننطلق مرة أخرى إلى رحاب واسعة جديدة مليئة بالتفاؤل والأمل في مستقبل زاهر. هذا الإقبال وهذا الاهتمام يُعبّر دون شك عن عودة لمشاعر الثقة والتفاعل الإيجابي بعد انتشار كثير من المشاعر السلبية نتيجة لعبء الدين العام وزيادة أعداد الباحثين عن عمل؛ لذلك علينا أن نمسك بزمام المبادرة التي أطلقتها أبراج، والمضي قدمًا بخطى ثابتة وتطلع واضح إلى الأمام نحو طرح المزيد من الفرص الاستثمارية الجديدة لأبناء الوطن الذين يبحثون عن وسائل لتنمية مدخراتهم واستثمار ما لديهم من مال في شركات تحقق لهم أرباحًا وتفتح لهم آفاقًا يستطيعون من خلالها مقابلة مصاريف الحياة التي تزداد ارتفاعًا كل يوم.

وطرح المزيد من شركات القطاع العام أو القطاع الأهلي سيثري سوق المال ويُشجّع المواطنين على الاستثمار في شركات تعمل في قطاعات تحتاج إليها البلاد كمجالات النفط والغاز والمعادن وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى تخفيف شروط طرح الشركات لأسهمها وتقديم قروض ميسرة للمواطنين الراغبين في شراء الأسهم والسندات وتقديم حوافز للشركات العائلية لمشاركة أعداد من المواطنين في تنمية أنشطتها وتطلعاتها نحو مستقبل مشرق بإذن المولى عز وجل.

وتوسعة قاعدة المستثمرين من أبناء الوطن وخصوصًا أبناء الطبقة الوسطى من المجتمع التي هي عماد الإنتاج والقوة الرافعة لاقتصاد البلاد، سوف يحد من الأنماط الاستهلاكية السائدة حاليًا نتيجة لغياب الفرص الاستثمارية وقلة الوعي بضرورة الادخار وتوجيه الطاقات الإيجابية للمشاركة في بناء اقتصاد قوي ومتين، ولا سيما أن أحد الدروس المهمة التي أفرزتها أحداث "الربيع العربي" أن استبعاد الطبقة الوسطى من المشاركة في بناء الاقتصاد واقتصارها على نخبة القوم، لن يؤدي إلا إلى احتكار المشاريع الكبيرة ووقوعها في أيدي أفراد قليلين من المجتمع، وتزيد على أثرها أعداد الطبقة الفقيرة، والأسوأ من ذلك اختلاط الأدوار وتبعثر الأوراق، ويتحول أصحاب الأموال إلى برلمانيين ومسؤولين، ويتحول المسؤولون أنفسهم إلى تجار وأصحاب رؤوس أموال، وتكون لهم الكلمة العليا في توجيه المشاريع؛ الأمر الذي يهدد بالإضرار بعجلة التنمية لخدمة مصالح مجموعة ضئيلة من الأفراد، بدلًا من خدمة البلاد وجميع أفراد المجتمع.

النظام الرأسمالي ليس نظاما احتكاريًا ومحصورًا على الأقلية، وإنما هو نظام يتسمُ بالمرونة وتوسعة قاعدة المستفيدين من حركة الاقتصاد وأنظمة الرعاية الاجتماعية، وغير ذلك من المميزات والتسهيلات التي تقدمها الأنظمة الرأسمالية لشعوبها رغم مظاهر الاحتكار التي تطفو على السطح من حين لآخر، والدليل على ذلك مظاهر الرخاء وقوة البنية الأساسية، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وانعكاس ذلك على معدلات الدخل العالية للأفراد.

نحمدُ المولى عز وجل على تجاوز وطننا للكثير من الصعاب والمحن إلا أن التحديات لا تزال كثيرة وتحتاج إلى همم عالية وبصيرة نافذة ولنا في جلالة السلطان المعظم وعهده المتجدد آمال كبيرة وأحلام عريضة برفعة الوطن وسموه إلى المراتب العليا بين الدول.