الحماية الاجتماعية والباحثون عن عمل!

 

د. محمد بن عوض المشيخي

تعملُ الحكومةُ الرشيدة وبجهودٍ مُضاعفة وبعزيمةٍ قوية لا تعرف الكلل أو الملل لإسعاد المواطن العُماني أين ما وجد على هذه الأرض الطيبة، ولعلنا نتذكر جميعًا النطق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- عند توليه مقاليد الحكم في البلاد؛ والذي أكد على العمل الدؤوب لتحقيق طموحات الوطن والمواطن بحياة كريمة يسودها الرخاء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، في إطار النهضة العمانية المتجددة، وفي خطوة غير مسبوقة يقر مجلس الوزراء الموقر قانون الحماية الاجتماعية الجديد، والذي تم إحالته إلى مجلس عُمان بغرفتيه لمناقشته واعتماده كواحدٍ من التشريعات النافذة في البلاد.

الجميع استبشر خيرًا بهذه الخطوة المباركة التي أثلجت صدور المجتمع العماني من ظفار جنوبًا إلى مسندم شمالًا؛ خاصةً الشرائح المستهدفة من تلك المنافع مثل الأرامل وكبار السن والأطفال والأيتام والأسر الفقيرة من أبناء المجتمع، الذين طال انتظارهم لمثل تلك الحقوق الواجبة والمستحقة في إطار النظام الأساسي للدولة الذي يكفل الحياة الكريمة لكل مواطنٍ عُماني في أرجاء سلطنتنا الحبيبة. إنها بحق خطوة موفقة وحكيمة انتشلت الناس من اليأس الذي خيَّم على البعض نتيجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وجائحة كورونا وتركيز صُناع القرار على خطة التوازن المالي خلال السنوات القليلة الماضية. ولا شك أن مثل هذه الحوافز والمنافع المالية، نشرت السعادة والوئام بين أبناء المجتمع العُماني، وكسبت القيادة العمانية الحكيمة بتلك الحماية الاجتماعية القلوب والعقول معًا.

فإذا كان هناك إجماع على مثل تلك السياسات الاقتصادية التي أتت في وقتها، إلّا أن فرحة الوطن لا تكتمل سوى بتضمين وجمع شمل واحدة من الفئات الاجتماعية التي تنزف بلا توقف ومنذ عقود، نتيجة عدم وضوح الرؤية للذين يتولون إدارة ملف الباحثين عن عمل، ألا وهم الشباب الذين تم استبعادهم بقصد أو دون قصد من خطة مشروع الحماية الاجتماعية، على الرغم من أن هؤلاء الخريجين الذين اجتهدوا في سبيل العلم أحق بأن تشملهم تلك المظلة الاجتماعية رحمة بهم واعترافًا بإنجازاتهم التي تحققت عبر سنين العمر. يبدو لي أن تلك الفئة قد خذلتهم السياسيات الاقتصادية والخطط الاستراتيجية والقوانين والتشريعات المعتمدة والتي جعلت من هذه القضية تتصدر أولويات واهتمامات الرأي العام العماني على الدوام بلا منازع.

لقد تابعنا خلال الأيام الماضية عبر منصات التواصل الاجتماعي التزاحم وتجمهر الآلاف من الباحثين عن عمل أمام بوابات معارض شركات التوظيف وبعض المؤسسات الحكومية التي تقوم بإجراء اختبارات لعدة وظائف فقط؛ بينما المتقدم لتلك الوظائف المعلن عنها؛ أعداد كبيرة تعكس حجم هذه المشلكة والتحديات الحقيقية التي تواجه الباحثين عن مصدر رزق في بلد فيه أعداد تقدر بالملايين من الوافدين الذين يتولون وظائف قيادية في مختلف قطاعتنا الاقتصادية.

لا شك أن ملف الباحثين عن عمل بحاجة ماسة لحل عاجل ومنهج جديد في التوظيف، فقائمة الانتظار سوف تصل إلى ما يزيد عن 120 ألف باحث عن عمل بحلول الصيف المقبل، وذلك إذا أضفنا الرقم الحالي المعلن عنه رسميًا والذي يُقدّر بأكثر من 85 ألف باحث، وذلك في أكتوبر 2022م إلى المتوقع تخرجهم والذين يزيد عددهم عن 30 ألف خريج سنويًا.

الكل ينتظر بفارغ الصبر أن يعجّل مجلس الشورى المنتخب من الشعب بمناقشة هذا المشروع القانوني المحال إليه من الحكومة الرشيدة على جناح السرعة وبدون تأخير؛ ويضيف إليه ما يراه مناسبًا من بنود تخدم الصالح العام، وأن لا يستثنى أحدٌ من منظومة الحماية الاجتماعية.

ويجب تذكير بعض أعضاء مجلس عمان عند مناقشتهم لمشروع القانون أن لا يستكثروا على الفقراء والضعفاء من أبناء هذا الشعب تلك المنافع التي أقرتها القيادة العمانية في هذه المرحلة التاريخية التي تعيشها السلطنة، فقد تابعنا خلال الشهور الماضية تصريحات غير مسؤولة تسفز الرأي العام، وتنتقد توظيف الحكومة لأبنائها خلال العقد الماضي، ولا يُدرك هؤلاء أن السلطنة قد نجحت بامتيار وأتت في المرتبة الأولى عربيًا في معالجتها لما يُعرف باحتجاجات "الربيع العربي" عام 2011، وذلك من منظور الرأي العام العالمي وخاصة الإعلام الدولي.

التحدي الأكبر الذي قد يواجه هذا المشروع الإنساني والمتمثل في الحماية الاجتماعية عندما يرى النور، يتمثل في الجهات المُنفِّذة والمُطبِّقة له، فقد يتم وضع تعقيدات وتفسيرات وضوابط إضافية ما أنزل الله بها من سلطان، تعمل على تقويض الفرحة التي أراد لها قائد هذا البلد أن ترتسم على وجوه الناس البسطاء، ولنا تجارب في ذلك؛ كما جرت العادة طوال العقود الماضية خاصة في صرف رواتب الضمان الاجتماعي للمستحقين وكذلك المساعدات السكنية لأصحاب الدخل المحدود، فالمُسِن الذي يأتي ليسلتم راتبه بنفسه عليه أن يحضر شهادة بعد فترة زمنية مُعينة أنه على قيد الحياة، هذا ما تابعناه عبر الصحف قبل عقدين من الزمن.    

وفي الختام.. نقترحُ من هذه النافذة أن يتم تضمين الباحثين عن عمل في المظلة الاجتماعية الجديدة وأن يُمنح خريج الدبلوم العام إعانة مالية شهرية مقدارها 150 ريالًا عمانيًا، وخريج الجامعة 250 ريالًا عمانيًا شهريًا؛ لكي يعم الخير وترفف أجنحة السعادة على جميع أبناء الوطن؛ في هذا العهد الزاهر الذي يقوده بحكمة واقتدارسلطان الحكمة والعطاء.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري