مؤيد الزعبي
مرحبًا عزيزي القارئ.. ماذا لو قلت لك اليوم إن هذه المقالة وجميع المقالات السابقة لم أكن أنا من يكتبها؛ بل روبوت تم تدريبه على أسلوبي وطريقة كتابتي، وقام بفعل هذا الأمر بدلًا عني؟
في البداية قد لا تصدق، لكن سيدخل الشك إلى قلبك، فنحن نعيش في عالم كل شيء فيه ممكن، خصوصًا عند الحديث عن قدرات الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يومًا بعد يوم نتفاجأ بتطوراتها وقدراتها.
لا تستغرب عزيزي عندما أقول لك إن الإحصائيات تشير إلى أن 90% من محتوى الإعلام ستولّده أنظمة الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة المقبلة؛ بل بعض الآراء تقول إن هذا الأمر سيكون في عام 2025؛ أي بعد سنتين من الآن!! صحيحٌ أن الأمر صعب للتصديق ولكن ماذا لو استعرضت معك من خلال هذا الطرح أين وصلت التقنيات الذكية في عالم الإعلام وإلى أين وصلت قدراتها.
ما تجده صعبًا في قطاع الإعلام أنه يحمل آراء وتحليلات ووجهات نظر إنسانية، والتي قد يُخيل لنا أنها مهمة صعبة على الروبوتات وأنظمتها، ولكن ما هو قولك إن قلت لك إن كلًا من وكالتي "الأسوشيتد برس" و"رويترز"، وصحيفتي "الجارديان" و"لوموند" وغيرها من وكالات الأنباء والصحف العالمية بدأت بالفعل استخدام أنظمة ذكاء اصطناعي لتوليد أخبارها وتقاريرها، وبدأت الكثير من المؤسسات الإعلامية العالمية بتوليد مقالات رأيها وتقاريرها التحليلية باستخدام هذه الأنظمة.
ما الصعب إن كان 50% من الأخبار اليومية هي عبارة عن متكررات تتغير فيها بعض التفاصيل البسيطة. وما الذي يمنع من أن تقوم هذه الأنظمة بتجهيز خبر عن فوز نادي برشلونة بنتيجة كذا وكذا، وتذكر تفاصيل المباراة ومن سجل الأهداف وتقدم لك خبرًا عن جميع تفاصيل الحدث؟! ما الصعب في ذلك ولديك ملايين الأخبار المشابهة والتي لا يتغير فيها سوى التوقيت والأسماء وباستطاعة الأنظمة أن تقوم بهذه التغيرات بشكل مناسب! وما المانع أن تكتب لك خبرًا عن استقبال رئيس دولة لرئيس آخر وتباحث معه آخر المستجدات، وأن يربطها بأحداث سياسية واقتصادية تشغل الرأي العام حاليًا، وأن يسرد لك تفاصيل الزيارات السابقة وتواريخها وكل ما يخصها، أو أن تكتب لك أخبار البورصة وصعود وهبوط الأسهم، وكل هذه الأخبار سياقها ومحتواها متشابه بشكل كبير جدًا.
في عام 2016 قامت شركة توتياو Toutiao (خدمة تجميع الأخبار الصينية) ببناء روبوت الكتابة بالذكاء الاصطناعي Xiaomingbot لإعداد الأخبار عن أولمبياد 2016، ويعد Xiaomingbot نظامًا آليًا لإنشاء المقالات الإخبارية وقراءتها، ويستطيع هذا النظام توليد جميع الأخبار المتعلقة بالأحداث والمباريات والمنافسات الرياضية بدقة وبتحليل بياني عالي الدقة، وهذا النظام قادرٌ أيضًا على الترجمة والتسجيل الصوتي للأخبار، وأيضًا إنتاج فيديوهات متحركة "انيمشن" للأخبار اتوماتيكيًا، فهل بدأت الفكرة بالوصول لك؛ كيف ستدخل أنظمة الروبوتات إلى قطاع الإعلام وتسيطر عليه؟!
اليوم وباستخدام نظام ChatGPT أصبح من الممكن توليد مقال عن أي موضوع تريده ببضع ثوانٍ فما الذي سيحصل عندما يتم تخصيص برامج وبرمجيات متخصصة بالإنتاج الإعلامي وتستخدم على نطاق واسع لتصبح قادرة على تحليل كل البيانات والأخبار الجديدة وتتعلم من كيفية صياغتها وربطها بالأحداث، ويتم ربطها بأنظمة لإنتاج الفيديو والترجمة حينها لن تسيطر هذه الأنظمة على قطاع الإعلام؛ بل ستصبح هي مولدته ومحركته.
رغم سلبية المشهد من جانب معين إلا أن دخول هذه الأنظمة سيكون له فوائد كثيرة، فبدلًا من الحاجة لوقت طويل في البحث عمّا إذا كان الخبر حقيقيًا أم مزيفًا، سيكون بمقدور أنظمة الذكاء الاصطناعي أن تقوم بتحري الأمر ببضع دقائق، وبدلًا من القيام بالترجمة أو التسجيل الصوتي أو إنتاج مقاطع الفيديو، ستقوم هذه الروبوتات بكل ذلك وبسرعة خيالية، وبدلًا من أن تقوم بتفريغ نصوص الفيديوهات واقتباس ما فيها وما تحتاجه منها، ستقوم هي أيضًا بهذا. وإليك الأكبر: بدلًا من القيام بتحليل القرّاء وما الذي يحتاجونه من أخبار، ستتكفل الروبوتات بهذا، بحيث ستظهر لهم الأخبار التي يحبونها أمامهم، وتستفيد أنت كمؤسسة إعلامية أنك لبيت متطلبات القراء والمتابعين لمنصاتك ولقنواتك.
أعتقد أن الذكاء الاصطناعي وبقدر ما يحمله من مفاجآت لقطاع الإعلام ومن مخاوف للعاملين في هذا القطاع، إلا أنه فرصة وأداة لتحسين تجربة المستخدمين والقراء والمتابعين والمشاهدين فهو قادر على تلبية احتياجاتهم وفهم متطلباتهم بشكل أكثر دقة، ولديه من السرعة ما يكفي لكي يقوم بدلًا عنهك بالكثير من المهام، وسيبقى دورك محفوظًا كعامل في هذا القطاع من أن توظف كل هذه الأنظمة لتخلق لنفسك أو لمؤسستك المكانة التي تستحقها بأن تصل لأكبر شريحة من المتابعين والمشاهدين.
** المنسق الإعلامي ومنتج أخبار لدى مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط