لطف الله بالجميع

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

مضت الحياة الدنيا بالكيفية التي يريدها سبحانه وتعالى، ففيها نتحصل على كل شيء منه عز وجل، كالصحة فهي رزق والعافية رزق والقوة رزق والوظيفة رزق والمال رزق والبنون رزق والبيت رزق والقصر رزق، والثمرات رزق والماء رزق وكل شيء عندنا وبحوزتنا ونملكه ولنا وما أنعم به المولى عزوجل علينا رزق، إذن الرزق نتحصل عليه من الرازق وليس من المرزوق.

وبالتالي من الإجحاف ونكران المعروف أن نتنكر ونتمرد على الرازق والخالق العظيم، وألا نعترف به أو لا نقيم له وزنا،  فالترقية في الوظيفة أيضا رزق، ولكن في قانون البشر هناك شروط لتحصل على هذه الترقية، كاجتياز دورات مُعينة مثلا، والتمتع بحسن السيرة والسلوك، وتزكية مسؤوليك لك وشهادتهم بأنك مستحق للترقية، إلى آخر هذا الكلام.

فهذه أسباب يؤخذ بها للحصول على رزق الترقية، وأحيانا يرزقك الله جل جلاله، بدون الأسباب التي ذكرت؛ فالله تعالى يرزق بالأسباب وبدون الأسباب، وهذه قاعدة يجب أن تفهم وتعرف ويتيقن عليها يقين تام وصحيح،  فالذي يتكفل برزقنا هو المولى عز وجل، وعلى الإنسان أن يجتهد في أن يكون كل وقته مع الرازق حتى يأتيه رزقه حلالا كفافا كما يريد ربنا، كذلك علينا أن نكون كل وقت مع الخالق تبارك في علاه، ومع الكريم والمعز والعزيز والحافظ تبارك في علاه، حتى نستحق رحماته وكرمه ولطفه وإحسانه وحفظه.

فعلاقتنا مع الخالق تبارك وتعالى، يجب أن تكون من أقوى العلاقات، لأن بها السلامة والنجاة والفوز والفلاح والنجاح، فالحق تبارك وتعالى قال "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

فكل ما في هذا الكون سُخِّرَ لبني آدم وجعل له وعلينا أن نفهم ذلك ونعيه، فحينما يقول لنا ملك أو سلطان أو أي إنسان، هذا الملك العظيم لك اسرح فيه كيفما تشاء، وخذ منه كيفما تشاء، لكن التزم بحدود معينة وبطريقة الأخذ وبطريقة الاستفادة منه، أفلن نكون لذاك الإنسان شاكرين أن وهب لنا ملكه العظيم لننعم فيه، وألا نقول له سمعا وطاعة أن قدم لنا خيره العميم لنعيش فيه براحة وطمأنينة وسعادة، واشترط علينا فقط أن نذكره وننشغل بذلك، ونعترف بنعمه علينا ولا ننسى ذلك، فهل سنفعل أم سنجحد.

طبعًا نحن راحلون عن هذه الدنيا لا محالة، ففيها الآن معنا الزوجة والأولاد والأخوان والأخوات والأهل والأقارب، نسكن جميعنا في مكان واحد وفي بقعة واحدة، ندخل على بعضنا البعض ونتزاور ونتشاور ونتحاور ونتحدث، فمناسباتنا واحدة وأتراحنا واحدة وأحزاننا واحدة، ولكن يوم القيامة هيهات هيهات سنفترق وسنتفرق إن لم نكن جميعنا في جنات الخلد، وإن لم نكن جميعنا أتينا بأعمال صالحة ترضي علينا ربنا جل جلاله، إذ قال جل جلاله "فإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ".

فهناك قد لا يلتقي أب بأبنائه وقد لا يلتقي أبناء بأمهم، وقد لا يلتقي الوالدان بفلذات أكبادهم والعكس، وقد لا يرى هناك الزوج زوجته، وهي قد لا ترى زوجها وأهلها وأبناءها، وهناك لا تنفع الأنساب والألقاب والرتب، فكل منَّا سيكون في هم وشغل يخصه بنفسه، والله تعالى قال "یَوۡمَ یَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِیهِ وَأُمِّهِ وَأَبِیهِ وَصَـٰحِبَتِهِ وَبَنِیهِ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ یَوۡمَئذ شَأۡنࣱ یُغۡنِيه".

واقعنا سيكون هنا وهناك هكذا، فالتراحم بيننا مطلوب وكذلك التعاضد والتفكر في أحوال بعضنا البعض، فالذي حدث مع إخواننا في تركيا وسوريا والعراق والأردن وبعض الدول من زلزال مدمر، علينا أن نتوقف عنده ونتفكر فيه، ونأخذ منه العبرة والعظة، ونهب لتقديم يد العون والمساعدة لهم، وندعو لهم ونواسيهم فيما هم فيه الآن.

إنَّ أمر الله تعالى الذي حل بإخواننا في هذه الدول المنكوبة، يحملنا مسؤولية عظيمة تجاه أنفسنا وتجاه خالقنا، إذ يتطلب الأمر أن تكون حياتنا مكيفة ومرتبة وماضية حسب ما يريد الله تعالى، فيها ذكر مستمر وعبادات وصلوات وقراءة القرآن الكريم وتدبره وفهم معانيه، لأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال ستكون هناك فتنٌ، قلتُ فما المخرجُ منها يا رسولَ الله ؟ فقال: كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ، ومن ابتغى الهدى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبس به الألسُنُ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبُه، ولا يَشبعُ منه العلماءُ، من قال به صدَق، ومن حكم به عدَل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيمٍ.

وقد روي عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك. قال: ما احترق. قد علمت أنَّ الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلم، من قالهن أول نهاره لم تصبه مُصيبة حتى يمسي. ومن قالهن آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح، وهن: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.

فهكذا يعلمنا ربنا تعالى أن نسأله وندعوه لأنه العظيم رب العرش العظيم، فالسلامة ننشدها للجميع، وصبركم الله تعالى وأعانكم يا أهلنا وإخواننا في كل الدول التي تعرضت لزلزال، وإن شاء الله تعالى نحن معكم قلبا وقالبا، وآجركم الله تعالى في مصيبتكم ومصابكم الجلل، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإن شاء الله ستمر وستمضي، والله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

تعليق عبر الفيس بوك