عيسى الغساني
كيف ينشأ القانون؟ الإجابة على هذا السؤال تستدعي استيعاب نشأة القاعدة القانونية مقدمة لنتيجة، وتحليل النتيجة وسيلة ومنهج لتطوير القانون.
وسواء أكان ذلك مفاهيم أومبادئ عامة، أو قاعدة قانونية أو جزء من نظام قانوني، أو ربما التغير الكلي لتشريع أو لائحة أو نظام أو قرار. والتساؤل عن نشأة القانون نجد جوابه في المناهج والطرق العلمية بعلم فلسفة القانون.
وعلم فلسفة القانون، فرع من فروع الفلسفة والقانون، يهدف إلى تقديم إجابة عن أسئلة، متعلقة بالقانون والنظام القضائي مثل: ما القانون؟ وما الضوابط التي تحكم صحة قرار ما؟ وما العلاقة بين القانون والأخلاق؟ وأسئلة مشابهة لهذا النسق. وتكمن أهمية فلسفة القانون في أنه علم له قواعد وأصول ومناهج، ويجب سلوكها للوصول النتيجة المراد إحداثها؛ سواءً تعديلًا أو تغييرًا لمسألة قانونية مثار بحث.
وأمر آخر مهم هو أن الظواهر القانونية هي ظواهر اجتماعية ترتبط بالمفاهيم والمبادئ الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وحاجات المجتمع. والبحث القانوني يتطرق كذلك إلى موضوعات أكثر عمومية مثل أساس الإلزام في القانون ومدى صلاحية النص القانوني.
ومن ناحية تاريخية، فاليونان وعلى الأخص أفلاطون وأرسطو والروقيون، كانوا أول من تطرق إلى أهمية فلسفة القانون من حيث استجابته للمنطق ومساهمته في البناء الاجتماعي المثالي.
وهناك تساؤل يتردد كثيرا وهو من أين يأتي القانون؟
القانون في جوهرة هو قاعدة اجتماعية أساسية ضرورية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض، فبه تحدد الحقوق والواجبات، ومن هذه الحقوق والواجبات تنطلق وتوضع المقاييس والمعايير القانونية.
ومن تقسيمات قياس المعايير القانونية، المضمنة في القانون: المشاركة، والرضا، والثقة، والأمان.
وعن المدارس الفكرية، التي تفسر نشأة القانون فهناك المدرسة التاريخية أو المذهب التاريخي، والمذهب التاريخي ينظر إلى القانون على أنه جهد جماعي مشترك، تساهم فيه الأجيال المتعاقبة، فهو يتكون ويتطور باستمرار، في الضمير الجمعي لكل مجتمع، وهو بذلك يتكون تكونا ذاتيا آليًا بدون أي دور لإرادة الإنسان.
وللمدرسة الموضوعية رأي آخر فهي لا تهتم بشكل القانون؛ بل تبحث في أصل ونشأة القانون، وبمعني آخر تهتم بمعرفة كيف تكونت القاعدة القانونية، وما أساسها؟ فهل القانون من نبع البيئة الاجتماعية؟ أم من وحي المثل العليا؟ فهي تنظر إلى جوهر القانون، ومضمونه، أو موضوعه، والمادة الأولية التي تتكون منها القاعدة القانونية.
وإذ كان أنصار المذهب الموضوعي اتفقوا على جوهر القاعدة القانونية، إلا أنهم اختلفوا بشأن مضمون القاعدة. فهناك اتجاهان متناقضان هما المدرسة المثالية والمدرسة الواقعية؛ فالمدرسة المثالية، تأخذ بالمثل الأعلى المتمثل في العدل كأساس وجوهر للقانون. وهذه مدرسة القانون الطبيعي، وهذه المدرسة ترى وجود قواعد أبدية أزلية خالدة لا تتغير، أودعها الله في الطبيعة ليستنبطها الإنسان بواسطة العقل فهي لا تدين بوجودها للإنسان، وأُطلق عليها القانون الطبيعي.
أما المدرسة الواقعية فهي من أعرق المدارس التي اهتمت بمضمون وتفسير القانون، وجاءت كرد فعل في مواجهة المدرسة المثالية. وسُمِّيت كذلك لأنها تعتمد الدليل والحقائق العلمية التي تلامس الواقع، وتستند على ما تثبته الملاحظة وتؤيده التجربة.
ويرى أنصار المدرسة الواقعية أنَّ القانون ظاهرة اجتماعية، ولذلك فأساسه اجتماعي واقعي. واتجاه آخر هو التضامن الاجتماعي الذي يتبنى المنهج التجريبي، ويرى أن القانون ظاهرة اجتماعية، تعزى إلى تضامن الأفراد فيما بينهم وشعورهم بما هو عدل.