حمد بن سالم العلوي
تتمثل الخدمات الأساسية بالدولة في: الأمن بشقيه الداخلي والخارجي، والصحة والتعليم، والنقل والطرق، والكهرباء والماء والاتصالات، وقد اشتُقّ من هذه الخدمات الأساسية، خدمتا الكهرباء والماء، فتم تخصيصهما، بينما المواطنون في دوامة "الحيص والبيص"، فالخدمة لا تخلو من المتاعب لدى الكثيرين، والفواتير لا تُراعي أحوال الناس، وحتى خدمة الماء من المُمكن توفيرها من خلال الصهاريج المعدة لهذه الخدمة، لذلك سأركز هنا على خدمة الكهرباء، فهي لا عوض للناس عنها في الوقت الراهن، إلا بالكهرباء العامة، وسوف أؤجل الحديث عن الماء إلى وقت لاحق.
وجرى تخصيص هاتين الخدمتين المهمتين للوطن والمواطن، باعتبارهما أكبر مؤثر في الاقتصاد والتنمية، وهما ضرورة ملحة للمواطن، ومحتم عليه اللجوء إليهما، وسيكون ملزمًا بدفع مقابلهما لضمان عدم انقطاعهما.
وبذلك تحولت وزارة الكهرباء والماء إلى شركات حكومية بشركاء القطاع الخاص، وأنشؤوا عقودًا مع الحكومة من أجل الحصول على الإيرادات، وذلك مقابل توفير خدمات للناس غير مجانية بالطبع، لكنها مدعومة من الحكومة، فأصبحت هذه الشركات والتي قُدّر عددها وقتذاك بـ11 شركة، وذلك قبل أن يتم دمجها مؤخرًا لتصبح 3 شركات.
لقد سبق وأن تابعت مجموعة من التغريدات واللقاءات المصورة التي أجراها الأستاذ توفيق عبدالحسين اللواتي، العضو السابق بمجلس الشورى عن ولاية مطرح- وذلك قبل عامين من الآن تقريبًا- وقد وضّح بملاحظات مُفصّلة نهج الشركات المنتجة للكهرباء والماء، وأوضح ما وصفه بـ"هدر الأموال" من خلال ما يجري ضخه من أموال في هذه الشركات؛ سواءً أكان في أسلوب التشغيل أو الإنتاج، أو الدعم الحكومي، أو الرواتب والمكافآت لمجالس إدارات هذه الشركات وموظفيها، وقد قال ما قال الأستاذ توفيق اللواتي بوازع وطني وغيرة على المال العام، وكان ظنيّ أنَّه بعد ذلك الجهد الذي بذله، سوف يجد الأستاذ اللواتي من يأخذ برأيه، ويستفيد من طرحه، وهو قد قدّم تلك الخدمة المجانية في سبيل خدمة عُمان وشعبها الأبيِّ، وكذلك تحدث عن الموضوع الكاتب والمحلل الأستاذ علي بن مسعود المعشني في نفس الاتجاه وغيرهم كثر ممن تحدثوا عن مثالب عملية التخصيص، ولكن كما يقول المثل العُماني الدارج كمن "يغبر سمه" لا يعلق فيها شيء.
وإنَّ من بين تلك الشركات العديدة، شركة للتمديد ونقل الأحمال الكهربائية، ومع ذلك هناك من يستهويه التنغيص بالناس عند طلب توصيل الخدمة، وسيخرجون عليه بمجموعة من الحيل والأعذار، وذلك للحصول على مقابل مادي من المواطن، بأية صورة من الصور تراها هذه الشركات، فمرات بتحديد المسافات المجانية، ومرات بصعوبة المكان الذي سيجري فيه التمديد، ولا مرة من المرات فلت المواطن من أيديهم، فكل الحيل مخزنة لديهم للضرورة التي تضمن تحصيل المال من المواطن.
لقد قال لي صديق؛ إن هناك قرية بين الجبال، هجرها أهلها بسبب تعسّر توصيل الخدمات إليها مع بدايات النهضة، وقد تفرقوا بين الولايات القريبة، طلبًا لتعليم أولادهم، واليوم أخذهم الحنين للعودة إلى قريتهم، فأوكل أهالي القرية المهمة إلى هذا الصديق كونه أحد أبنائهم، ليقوم نيابة عنهم بتوفير الخدمات الضرورية لقريتهم، وذلك حتى يعودوا للسكن فيها، فاستطاع أن يحصل على طريق ولو ترابي من وزارة النقل، وكان يظن ذلك أصعب مهمة، ولكنه لم يستطع ورغم الطلبات المتكررة منذ عام 2018 أن يوصل خدمة الكهرباء للمجلس العام للقرية، وهو مسجل باسم الحكومة، والخلاف على مسافة 200 متر، وبذلك أصبحت شركات الكهرباء هي أعقد العقد.
إنَّ إحياء أي ثغر من الجغرافيا العُمانية، يمثل خدمة للأمن القومي للبلاد، فالمواطن الذي يحيي وطنه وأرضه سيسهم في الإنتاج الزراعي، وسيكف حاجة مواطن من أن يطالب بوظيفة عامة، أو معونة من التنمية الاجتماعية، وسيكون عين الأمة في مراقبة الأمن في قريته، ومنها حماية الحياة الفطرية، لكن أنّى لشركات الكهرباء أن تفهم خصوصية وخدمة الأمن القومي، فهي شركات عينها مركزة على كسب المال وحسب.
يقول صديقي؛ كان في السابق العشم في (هيئة تنظيم الكهرباء) لكي تبت في الخلاف بين النَّاس وشركات الكهرباء، ولكن بعدما ضمت هذه الهيئة إلى هيئة تنظيم الخدمات العامة، وأصبحت الهيئة تملك جزءًا من شركات الكهرباء، فقدنا الأمل في الإنصاف من هذه الشركات، فحتى إذا تقدمت بتظلم يتم إحالته إلى نفس الشركة، وتصبح النتيجة محسومة لصالح الشركة، لأنها هي من يقوم بالرد وتسبيب الرفض.. وتغليظه، فقد زادوا في ردهم الأخير عليه، بمائة متر إضافية عمّا كان عليه الحال في المرات السابقة.
فإذا كان الأستاذ توفيق اللواتي؛ الذي شرح الإنتاج بـ(التيراوات والميجاوات) وبالتفاصيل المملة، ولم يصغ إليه أحد، وغيره من الكتاب وأصحاب الرأي، فهل أنا وصديقي صاحب القرية نستطيع أن نحصل على شيء- ولو قيد أنملة- من هذه الشركات لصالحنا، ونحن الذي نعرفه عن الكهرباء تشغيل مفتاح مصباح وإطفاءه وحسب، ودفع الفواتير التي تقررها الشركات علينا.
لا أعرف كيف ستسير التنمية في هذا الوطن، إذا كان مقهى صغير يدفع فواتير الكهرباء بمعدل شهري 500 ريال، كما قال لي أحدهم، فكيف لمطعم أو لشركة أو فندق حتى، أن يدفعوا فواتير الكهرباء ومؤكد أنها ستكون بعشرات الآلاف.
الكثير من الشركات أصبح قلبها وعقلها محكم بالمحصلة النهائية في الإيرادات الكبيرة، ولا هم لها في المواطن والوطن، إلا بقدر ما يقدمون لهم من أموال، فهل من مدّكر يعيد الوضع إلى مكان عليه الحال قبل عام 1999م، فتعود خدمتا الكهرباء والماء إلى يد الحكومة، رأفة ورحمة بالناس والوطن.