علي بن مسعود المعشني
قد يبدو العنوان غريبًا للبعض ممن ليس لهم مراس في دهاليز الدبلوماسية خصوصًا والسياسة بشكل عام، ولكن اصطياد الزمن والظرف فن من فنون الدبلوماسية يعلمه الساعون في دروبها والعاملون في رحابها الواسع.
التضامن الإنساني في حالات المحن والكوارث الطبيعية يطغى على كل دعوات ومظاهر الكراهية والاحتراب، كونه موقف نابع من الضمير الإنساني الفطري قبل أدلجته، فيكون موقفًا خالص الصفاء وصادق المشاعر.
تتناسى الشعوب والحكومات غالبًا الخلافات وصراع الفناء لتستحضر الرغبة في البقاء والانتصار للحياة، وهنا تتعزز قيم الإنسانية كثيرًا لتبرز على السطح وتُخمد ضجيج الحروب والكراهية والتناحر.
تعاني سورية الحبيبة قلب العروبة النابض وقلعتها الحصينة منذ عقد ونيف من الزمن من مؤامرة كونية دنيئة، يُراد منها أن تكون أنقاضَ سوريةِ الصمودِ والتصدي، معبرًا وعبرة لمعارضي التسويات المُذلة مع العدو، والسلام المُغلف بالاستتسلام والإذعان، لهذا نرى أزمة الحبيبة سورية تنتقل من فصل إلى آخر، في كل مفصل من مفاصلها، وأحد هذه الفصول هو قانون قيصر الجائر الذي يراد منه قتل سورية والسوريين بدم بارد، وعلى مرأى ومسمع من الجميع؛ حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية من قبل القرصان الأمريكي بمعية بلطجته على الأرض من مرتزقة صنعتهم غرف المخابرات الغربية والعالمية باسم ثوار ومعارضة، ومن أدواته في المنطقة ممن أختاروا أن يكونوا عبيدًا للغرب أو عبيدًا لعبيد الغرب.
الغريب أن جميع الحصارات التي نفذها الغرب لقتل شعوب عربية حية وفاعلة في العراق وليبيا واليمن وسورية لم تكن لتمر لولا إذعان النظام الرسمي العربي لها خوفًا وطمعًا، لهذا تمادى الغرب وطاب له تكرار هذا المخطط القذر في الوطن العربي طالما المنفذ جاهز والنتائج مضمونة.
تذكرت عنوان هذا المقال وخطر لي لو أن العرب استغلوا ظرف الزلزال بسورية الحبيبة ليكسروا الحظر ويمزقوا قانون القيصر، ويرسلوا الطائرات والقوافل بالمعونات الغذائية والطبية والمحروقات؛ لتكون ملحمةً عربيةً في ظل تشكل العالم اليوم وخبو نجم الغرب وحظوتهم ووهن قوتهم.
لا ينكرُ أحدًا أن الكوارث الطبيعية تستدعي جميع الضمائر بلا استثناء، وأن الهبة العربية تجاه سورية ستشكل مفصلًا تاريخيًا حادًا ومعبرًا عن ملامح تضامن عربي مستقبلي، تتناغم فيه الإرادات الرسمية والشعبية لتصنع واقعًا ولو افتراضيًا من المأمول والممكن معًا.
آن الأوان أن يفهم العرب بشقيهم الرسمي والشعبي أنهم جميعًا مستهدفون في "البورد" الصهيو أمريكي، وأن المحبوب منها في قاموس "بورد" الغرب السياسي هو العميل والخائن حتى "نفوقه" ودفنه تحت التراب، وأن ذُل وهوان الحِصارات سلسلة لن تنتهي وستنتقل من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، طالما العرب أنفسهم من أعطاها الشرعية والقوة للتكرار والنفاذ واستمرؤوها كل بزعمه وحجته وذريعته!!
الدبلوماسية صنوف ومسميات ومداخل ومواقف، منها ماهو معروف ومنها ماهو مستجد ووليد ظرفه ولحظته، لهذا فدبلوماسية الكوارث اليوم دبلوماسية متاحة ومشاعة لمن قرر تسويق فطرته وصدق مشاعره والجهر بهما، وسورية الحبيبة اليوم في أمس الحاجة للأشقاء في كسر الحصارات والخصومات بعد أن ضحت بما تملك وبما يمكن أن تملك لصون كرامة الأمة ووحدتها، وفكت بصمودها الأسطوري جميع طلاسم مؤامرات الغرب، والمصير العربي المشترك.
قبل اللقاء: "لكل إنسان وطنان، وطنه الأصلي، وسورية". وول ديورانت مؤلف موسوعة الحضارة.
وبالشكر تدوم النعم.