ماجد المرهون
أجدني مُلزمًا باستخدام كلمة مهرجان الفارسية في السياق اللاحق نظرًا لإحكام سيادتها على المفهوم وبساطة توصيل المعنى، مع أن كلمة احتفال تؤدي نفس الغرض، إلا أن شيوع الاستخدام عظَّم من كلمة مهرجان وحجَّم من كلمة احتفال ولا بأس، فقد يتسع صدر اللغة العربية هنا تنزهًا لتقبل هذه الاستعاضة، كما تتسع صدورنا كرهًا لتقبل مهرجاناتنا السنوية بين ارتياح وامتعاض.
المتابع لمسيرة المهرجانات الموسمية في بلادنا الحبيبة سيُلاحظ مستوى التنوع والتوسع الذي طرأ عليها منذ عام 1996 في صلالة وعام 1998 في مسقط، وصولًا إلى عامنا هذا، وأن 26 عامًا من الاستمرارية باستثناء عامي كورونا كافية للارتقاء بها إلى مستوى العالم، وهذا ما لم يحدث؛ لتواضع الطموح، مع الإكبار والإجلال لكل الجهود التي تبذل والنشاط الدؤوب الذي لم يذبُل. وقد لامس التحديث مسميات المهرجانات، كما لامس مناشطها بنمط متفاعل مع ضرورات التجديد أو من باب التغيير؛ حيث بدأت من الإشارة الصريحة للحدث المواكب للطقس كصلالة ثم ظفار في خريفها اللطيف ومسقط ثم ليالي شتائها الظريف والتدرج إلى الرمزية المنافحة لمعظم المعوقات في محاولاتٍ لإرساء صبغة الترويج السياحي التي تغازل شرعيًا الجانب الذهني. ولقد تنبه المسؤول إلى ضرورة تغيير المُسميات أو تعديلها بما يتلاءم ومقتضى التسويق للمواقع والتعريف الحسي بالمكان، كما لم يغفل مدى تأثير استخدام اسم العلم الذي يضفي على المكان عاطفةً وطنية جياشة ليشمل المحافظة عمومًا وإن لم يصِب بعض الولايات من ذلك الإضفاء نصيبٌ وأصاب بعضها على استحياء.
فهل لنا باسمٍ دون الإشارة إلى علمٍ كمسقط وظفار وصحار وغيرها بحيث يعرِّف المهرجان مستقبلًا بذاته دون أن نعرفه نسبةً إلى محافظةٍ أو ولاية؟!
والجواب بالقبول هو أقرب منه للرفض وهي فكرة ليست سيئةً جدًا وهذا ما يحدث مع الكثير من المهرجانات العربية والدولية، لكن يبدو أننا نسوق للتعريف بالمكان الغني عن التعريف وأغفلنا محتوى المهرجان المناط به التكليف، وبما أن التطوير والتعديل طال مسميات مهرجاناتنا وباتت تحمل أسماء المحافظات والولايات فمن باب أولى أن ينال تطويرها نصيبه وهو الأحظى حتى ترقى إلى مستوى الحدث ورفعة شأن ما سُميت به تيمنًا، فمرتاد هذه المواقع الاحتفالية لن يجد أكثر مما وجده قبل 10 سنوات على أقل تقدير مع تعديلات سطحية لا تكاد تذكر في غيابٍ للأفكار الحديثة والجاذبة فهل سيُفكر الزائر بالعودة مجددًا؟! أما الراغب فقط في "تغيير جو" فلا يهمه سوى طول الممشى وعرضه ولن ينفق من أمواله إلا القليل كما أنه يختلف عن الزائر الذي يقصد سياحة الترفيه وهو الجاذب الرئيس للزائر بحسب توجه الجميع وتحديدًا للقادم من خارج الوطن والباحث عن الترويح وقضاء وقت ممتع بمعية أهله وأصدقائه، إذا ما استبعدنا السياحة البيئية فهو الذي سينفق أكثر من الزائر المحلي، ولنفكر بطريقة جلب الأموال قليلًا وتعويض الفاقد في الاستعداد والتجهيز للافتتاح الذي ما كاد أن يبدأ حتى انتهى.
هل استطعنا أقلمة ملحقات مهرجاناتنا بحيث نستقطب لها أكبر عدد من الزوار وكسب ثقة مغادرها من خلال تشويقه للعودة مجددًا بطيب نفس دون خوفٍ أو تردد؟!
إن التمتع بالحس الأمني هو فطرة طبيعية جُبلنا عليها وتختلف أبعاد القدرة التخيلية والتحليلية وتوقع النتائج من إنسان لآخر فأعلاه يكمن في الشك وأدناه في الإهمال وسوء التقدير، وعندما يقوم أحدنا ببناء منزلٍ على سبيل المثال فإنه سيراعي أبسط معايير الوقاية والأمان فضلًا عن الراحة والاطمئنان حتى يجنب أهل بيته الأذى والأطفال على رأسهم لنشاطهم الدائم وضعف إدراكهم في تقييم المخاطر، فلن يقيم الدرج مثلًا دون حاجز حماية وسيعمد إلى سطح منزله فيقيم عليه حائطًا صلبًا مع إحكام غلق باب السطح، وهكذا الحال يسري إلى بقية الأمور التي تسترعي ارتياب التعرض للإصابة ويبقى هاجس الحذر يعمل لما وراء الاحتمالات عظمت أو بسطت، ومع كل ذلك فإن الحوادث التي تترتب على أحداث تسلسلية يستحيل توقعها قد تقع وهو أمر لا مجال لمنعه إلا في أضيق الظروف ولكن أمكن التخفيف من حدة ضرره نتيجة تياري الاحتياطات والشكوك المتضادين.
فهل ننتظر وقوع الحادث أيًا كانت أسبابه حتى نشرع في توظيف سبل الأمن والسلامة أم نعمل على تبني كل الظنون المحتملة لتجنب الحوادث وتفادي نتائجها؟!
بالطبع إن "درهم وقاية خير من قنطار علاج" ومهما بلغت الأعذار والمبررات فإنها لن تُقبل بعد وقوع حادثة ربما تودي بحياة أطفالٍ ذنبهم الوحيد هو ثقتهم اليقينية بالكبار حيث تغلب ملكة اللعب والتجربة على مستوى تقديرهم الحائل بينهم وبين تجنب بعض الأخطار التي قد يرصدها الراشد والخبير ضمن سلسلة الاحتمالات والسببية، فهل أعددنا العدة لذلك مع وحول ألعاب أطفالنا الملاحظ عليها شدة الاستهلاك في مهرجاناتنا؟!
لقد تطلبت مهرجاناتنا 26 عامًا- وهي فترةٌ كافية- لنضج التجربة، لكنها ما زالت تحبو على بساط البساطة وتتطلع لرفع رأسها إلى الإبهار ولفت الأنظار في ظل التقدم الهائل للإمكانات التكنولوجية المتاحة بكل يسر والتطور المصاحب لعالم الضوئيات والبصريات ونمط العروض سريع الإيقاع ومغبة الوقوع في الرتابة الذي تحاول قنوات البث الإعلامي جاهدة تجنبه من خلال تصوير زوايا فنية جميلة وإخراجه إعلاميًا بمظهر رائع؛ حيث إن الحلة التي يطل بها علينا المهرجانان الرئيسيان في شتاء يناير وصيف يونيو من كل عامٍ يُظهران بداية مختلفة وجديدة على مستوى التيلفزيون مع بالغ الشكر والتقدير لجهودهم، إلا أن طموحنا على أرض الواقع أبعد بكثير من ذلك مع توفر كل المقومات والممكنات المساندة والطاقات الشبابية الجبارة القادرة على صياغة فنية وعملية خلاقة خارجة عن الأطر التقليدية للرقي بمناشط المهرجانات وفعالياتها إلى المنافسة العربية والعالمية.