علي الرئيسي **
عقدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإيطالية بتاريخ 30 يناير 2023، ندوة حول أهم الاتجاهات "Trends" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشارك في الندوة كل من: جهاد أزعور مدير دائرة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، ولَمَا فقيه مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس واتش، وهاري فيرهوفن كبير الباحثين في مركز سياسات الطاقة في جامعة كولومبيا، فيما أدارت الندوة سارة بازوباند، زميل مشارك في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، وفي السطور التالية أسردُ قراءة مختصرة لأبرز النقاط التي وردت في الندوة.
بدأ جهاد أزعور بتقديم نبذة عن التطورات الاقتصادية التي حدثت في المنطقة وأهم الاتجاهات لعام 2023؛ حيث قال إن النمو في 2022 كان أفضل من المتوقع؛ إذ بلغ حوالي 4.5%، إلّا أن هذا النمو كان متفاوتًا؛ حيث حققت دول مجلس التعاون الخليجي والدول المصدرة للنفط نموًا أفضل من الدول الأخرى. لكن عام 2022 جلب معه ازديادًا في معدلات التضخم، وبالذات ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة، نظرًا للحرب الأوكرانية، كما إن السياسات النقدية التقييدية أدتْ إلى ارتفاع أسعار الفائدة وخفضت من تدفقات رؤوس الأموال التي كانت تحتاج لها هذه البلدان؛ لتمويل العجز، كما أدى إلى تباطؤ النمو في بعض البلدان.
أما بالنسبة لعام 2023، فالتوقعات تشير إلى زيادة الصراع على المستوى الجيوسياسي نتيجة للحرب الأوكرانية؛ مما سيؤدي إلى زيادة في تكلفة المخاطر؛ نظرًا للقرب الجغرافي، كما إن استمرار السياسات النقدية التقييدية لمحاربة التضخم ستتسبب في ارتفاع كلفة الاقتراض؛ نظرًا لارتفاع أسعار الفائدة، مما سيؤثر على مستويات النمو.
الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- وهو الوصف الجغرافي الذي تطلقه المنظمات الدولية كصندوق النقد على العالم العربي- ما زال يعاني من التباطؤ إثر جائحة كوفيد-19، وبالتالي تعاني هذه الأقطار من نسبٍ عاليةٍ من البطالة في المجتمع؛ لذلك يقترح أزعور على حكومات المنطقة العمل على تبني سياسات نمو شاملة لخفض نسب هذه البطالة. كما يحث دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية، وفتح الأسواق وإعطاء مزيد من المرونة لانتقال رؤوس الأموال بين هذه البلدان.
في عام 2023، يتوقع الخبراء أن الصين ستواصل انفتاحها مما سيساعد على استقرار أسعار السلع وبالذات أسعار الطاقة، وسيعزز ذلك من زيادة التبادل التجاري الذي سيؤثر إيجابًا على إيرادات دول مجلس التعاون الخليجي، ويحقق لها معدل نمو أعلى من العام الماضي. لكن الدول متوسطة الدخل ستعاني من ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة أسعار الفائدة. علاوة على أن الدول الفقيرة في المنطقة ستحتاج إلى مساعدات مالية للتغلب على مشاكل التضخم وأزمة المناخ.
المداخلة الثانية في الندوة، أدلت بها لَمَا فقيه مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومان رايتس واتش، والتي قدمت صورة قاتمة للوضع الحقوقي في المنطقة؛ حيث شددت على مسألة غياب الشفافية والمساءلة في المنطقة، إضافة إلى غياب أبسط حقوق المواطنة مع معاناة الناس من غياب أو انقطاع الماء والكهرباء، فضلًا عن مشكلة الأمن الغذائي. وأشارت فقيه إلى الصعوبات الجمة التي تواجه النشطاء الحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين بصورة عامة؛ حيث إن معظم دول المنطقة شهدت موجة من الإعدامات، ما يثير تساؤلات حقيقية حول نزاهة القضاء واستقلاليته. النقطة الإيجابية الوحيدة التي ذكرتها فيما يخص حقوق الإنسان في المنطقة، هي الإصلاحات التي قامت بها قطر قبل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم، إلا أنها كانت "محدودة ومتأخرة"، على حد تعبيرها.
المشارك الأخير في الندوة، هو هاري فيرهوفن كبير الباحثين في معهد الطاقة بجامعة كولومبيا، والذي تطرق إلى قضية التغير المناخي، وذلك في ضوء مؤتمر المناخ "كوب 28" المزمع انعقاده في دبي أواخر العام الجاري. وأوضح فيرهوفن أنَّ هذه المنطقة بالذات بما فيها من دول غنية وفقيرة، هي أكثر الدول المتضررة بالتغيرات المناخية؛ حيث إن ارتفاع الحرارة في هذه المنطقة سيكون أشد تأثيرًا، كما إن المنطقة تعاني شحًا في المياه. وأوضح فيرهوفن أن هناك مفارقة كبيرة بين الالتزامات حول مسألة المناخ، فيما يتعلق بما تعلنه هذه الدول في الإعلام من برامج ومساعدات، وبين ما تقوم بتطبيقه فعليًا. فعلى سبيل المثال، هناك القليل من التحول في استعمال الطاقة المتجددة، وأن الفحم في بعض هذه الأقطار مستخدم بكثرة مقارنة مع استخدامات الطاقة المتجددة.
فيرهوفن طرح عددًا من النقاط المتعلقة بمكافحة التغيرات المناخية، والتي حاليًا تنبع من الأعلى إلى الأسفل وجل تركيزها على التقنية؛ أي باكتشاف تقنية تحقق فتحًا وحلًا مباشرًا للمشكلة، بينما يرى فيرهوفن أنه من الأجدر النظر إلى سياسات تنطلق من الأسفل إلى الأعلى أي من القاعدة الشعبية، وأن تكون هناك مشاركة واسعة من جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع بما فيها المجتمع المدني، على أن تنبع من البيئة المحلية، مثل التوسع في الزراعات المحلية للتقليل من الآثار البيئية للاحتباس الحراري.
** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية