كانت جميلة

سارة بنت علي البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

كانت جميلة إلا أن الحياة التي كانت تجمعنا بها انتهت وكانت ذات ابتسامة جميلة وقلب كبير إلا أن قلبها الكبير هذه المرة كان السبب في فقدانها للحياة فرحلت في يوم العاشر من يناير هذا التاريخ الحزين.

كنت في المستشفى وكان بيني وبينها سرير آخر إلا أن الذكريات التي تناسيت أغلبها أيام الصغر عادت مجددا وتباعا.. بيت نصيب هو بيت جيراننا وكنت أصعد على السطح وأشاهد من بعيد جارنا الكفيف نصيب أو ذا عين واحدة وكنت أخاف منه كثيرا إذ كان ذا هيبة ووقار وكانت جميلة ابنته.

عندما كنَّا نذهب كل يوم ونلعب على الشاطئ كانت جميلة معنا وكنا نردد الأغاني الشعبية والأناشيد الخاصة بنا كأطفال في ذلك الوقت كنَّا نلعب ونضحك ونتشاجر أحيانا أما على (التاير) الكبير أو لعبة (أبو الدوس) لكنني حاولت تذكر جميلة ولم استطع إلا أنني عندما رأيتها وذهبت للتحدث إليها مددت يدي وسلمت عليها كانت نائمة قبل ذلك وقلت لها: جميلة فاستيقظت وهي على سرير المرض ونظرت اليّ وقالت: ساره لقد مر وقت طويل ولم نلتقِ ولكنني أتابعك على وسائل التواصل الاجتماعي  وفخورون بك كثيرا تفضلي اجلسي.. جلست على الكرسي الذي كان مخصصاً لجلوس الزوار تحدثنا تحدثنا كثيرا وكأن السنوات التي فصلتنا عن بعض لم تكن وحدثتني عن معاناتها الطويلة وآلامها المستمرة وأوجاعها التي تزيد كانت جميلة تبكي..

عندما تفضفض لي لم تكن تبكي من الألم ولكن كانت تبكي لإحساسها بأن الرحيل اقترب وأنها ستترك كل شيء خلفها وستذهب بعيدا كنت أقول لجميلة لا تيأسي وكوني قوية لم أكن أتخيل أن يكون لقائي الأول بها هو لقائي الأخير بها وعندما أقول الأول فأنا لا أذكر إلا أشياء بسيطة نلعب نلعب نركض ونمرح لكنني نسيت أغلب الوجوه، حبيبتي جميلة: عندما خرجت من المستشفى وبعدها بيوم بعثت لك رسالة وأجبتِ بأنكِ بخير بعدها انشغلت كثيرا وصدمت بأنكِ استعجلتِ الرحيل!

كانت الساعة تشير إلى موعد التوجه للمطار ودعت والدتك وأخواتك وفلذات كبدك وأغلب أهلك على أمل العودة بخير وسلامة رافقكِ زوجك جسدا وروحا ولكنه عاد مع جسد فقط!

ذهبتِ وتعبتِ وكانت الرحلة على الخطوط المستعجلة وياليتك لم تذهبي أصلاً وتمنيت أيضا لو أنهم منعوك من المغادرة حتى تبقين هنا بالقرب من محبيك بالقرب من وجه أمك وبناتك.

جميلة.. جسد مثقل وروح مبعثرة وألم توقف وقلب أنهى حياته وأخذ كل شيء ! لازلت مصدومة ولا تزال صورة جميلة وهي تبتسم على ذلك السرير الأبيض تراودني كانت تقول إنها تعبت كثيرا وإنها كانت تتمنى أشياء أخرى لم تحدث. أتعجب في صمت هل سنموت ونحن لم نرتح في هذه الدنيا؟ هل مصيرنا في هذه الدنيا أن نبقى في عذاب دائم أم هناك مغزى وسبب لكل شيء؟!

هل الذين يعيشون في القصور ويملكون المال أولئك الذين لا يعرفون طعم الجوع مثلنا سينالون مثل ما ننال وهل الناس الذين ولدوا وهم مرضى سيكون وجودهم في هذه الحياة فقط ليتجرعوا ويذوقوا أبشع الآلام! كانت جميلة بنت جميلة تطمح أن تعيش بسلام وأن تحقق أحلامها وطموحاتها لماذا لم تسافر إلا للموت؟! لماذا لم تستمتع وكانت حياتها مؤلمة لماذا رحلت سريعًا جدًا.

جميلة غادرتنا وذهبت إلى الجنة هكذا أتصور والحمدلله على كل حال وجبر الله قلوبنا برحيلها الصعب وعزاؤنا أنها في مكان أفضل.

كل أمنياتي أن نتحلى بالجمال وأن نترك أثرًا طيبًا؛ فهذه الحياة بكل صخبها زائلة وفانية.