"القديس مارادونا"

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

وُلِدَ دييجو أرماندو مارادونا في 30 أكتوبر 1960م، في مقاطعة بوينس آيرس، لعائلة فقيرة؛ حيث نشأ في فيلا فيوريتو، أحد الأحياء الفقيرة في الضواحي الجنوبية للعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، كان الابن الأول بعد أربع بنات، ولديه شقيقان أصغر منه، هوغو (إل توركو) وراؤول (لالو)، وكلاهما أيضًا كانا لاعبين محترفين في كرة القدم.

أطلقت جماهير نادي نابولي الإيطالي لقب القديس والقس على النجم مارادونا، وطالبت الكنيسة في الفاتيكان بمنحه هذا اللقب رسميًا، ليس بسبب نجومية مارادونا ونبوغه الكروي فحسب، بل بسبب إنسانيته ورسالته تجاه مدينة نابولي وكل ساكنيها ومن مختلف الشرائح بها. فبعد وصول مارادونا إلى نابولي في الخامس من يوليو عام 1984م، تمَّ تقديمه للجمهور ووسائل الإعلام المحلية والعالمية كلاعب نابولي في ملعب سان باولو بحضور 75 ألف متفرج، وهو رقم قياسي بقي لعقود دون تحطيم، وقد حمل هذا الملعب اسم مارادونا بعد وفاته تخليدًا ووفاءً له من نابولي وسكانها.

وبوصول مارادونا إلى نابولي انتقلت البطولات الكروية إلى جنوب إيطاليا بعد أن كانت حكرًا تاريخيا على الشمال فحسب؛ بل أيضًا انتقلت السياحة والتجارة والتنمية والاهتمام المحلي والأوروبي والعالمي إلى الجنوب عمومًا ونابولي على وجه الخصوص. وبوجود مارادونا أقام سكان نابولي جنازات وهمية ليوفنتوس وميلان وأحرقوا توابيتهم وأعلنوا تاريخ وفاتهم في مايو 1987م، بعد تتويج نابولي بعددٍ من بطولات إيطاليا الكروية، ولم تتوقف نشوة جماهير نابولي عند هذا التعبير؛ بل خطوا لافتة كبيرة على جدار المقبرة الرئيسية بمدينة نابولي كتبوا عليها عبارة: "لو عرفتوا ماذا حدث بعد رحيلكم؟!".

لقد تحولت نابولي في زمن مارادونا إلى ما يُشبه الإمبراطورية المستقلة عن إيطاليا وتسمى الكثير من المواليد الجدد باسم مارادونا، وشاعت الجداريات التي تحمل صور مارادونا في كل مكان. لم يكن دييجو مارادونا سوى قديس حلَّ على نابولي فأحياها، بمساهماته ولمساته الإنسانية وتطوعه وحضوره الدائم في الفعاليات الإنسانية لصالح مرضى وأطفال وفقراء وحالات مستعصية؛ بل ولمشروعات خيرية لبلدية مدينة نابولي تصب في خانة خدمة الصالح. كما عُرف عن مارادونا مناصرته للشعوب المضطهدة وحبه الجم لابن بلده المناضل الأممي تشي جيفارا وتأسيه بنهجه وحياته وتضحياته، لهذا رآه العالم مناصرًا لكوبا وصديقًا حميمًا لزعيمها فيديل كاسترو، وكان ظهيرًا ونصيرًا للزعيم البوليفاري هوجو تشافيز ضد الحصار الأمريكي على بلاده فنزويلا، لهذا كان مارادونا هدف دائم لهجوم الإعلام الغربي وعقوبات أداته المتمثلة في الاتحاد الدولي لكرة القدم والذي هاجمه مارادونا وفضح مخططاته وجشعه وتسخيره لمهامه خدمة للوبيات تديره وأخرى تنتفع من خلفه.

ويبقى دييجو أرماندو مارادونا ظاهرة كروية وأيقونة إنسانية لا يمكن فهم رسالتها إلا بقراءته من اليسار؛ لأن قراءته من اليمين ستظلمه كثيرًا وتحط من رسالته وتقلل من نُصع سيرته وأثرها العابر للحدود والأجيال.

سيرة مارادونا مع نابولي وأثرها، أصبحت محل تقليد ومحاكاة لإنعاش اقتصادات والترويج لمدن وبلدان بجلب من يضفي الجذب عليها من قبل وسائل الإعلام العالمية، وبالنتيجة تنفتح أبواب التجارة والاستثمار والسياحة بأنواعها، فها هي نابولي اليوم تعيش على سمعة وإرث وتراث مارادونا وكأنه مازال حيًا ويسعى في مناكبها.

قبل اللقاء.. لم يكن مارادونا شخصًا عابرًا بالنسبة لمدينة نابولي؛ بل كان صفحة تاريخ جديدة، وحياة أخرى، وصفحة مفاخر لها نُقشت بماء الذهب في دفاتر الأيام وحُفرت بدقة متناهية في أخاديد السنين.

وبالشكر تدوم النعم.