د. محمد بن عوض المشيخي **
يفتقدُ النظام العالمي الذي أنتجته الدول المُنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وفي مُقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لأدنى معايير العدالة الإنسانية، على الرغم من إقراره من جميع دول العالم التي انضمت لاحقًا إلى الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة.
فمن المفارقات العجيبة لهذا القانون الدولي، مجلس الأمن الدولي الذي يعد أرفع الهياكل التنظيمة لمنظمة الأمم المتحدة، وأعلى مرتبة في صنع القرارات الدولية خاصة الفصل السابع والذي يمنح صفة الإلزامية في التنفيذ، وكذلك حق النقض "فيتو" للدول الاستعمارية الكبرى في الشرق والغرب، وشرعية مصادرة حقوق الشعوب المستضعفة، والجنوح للهيمنة والعنصرية والقوة غير المسؤولة، بعيدًا عن حقوق الإنسان التي تتغنى بها الدول الغربية نفاقًا.
الأمم المتحدة وقوانينها لم تعد مناسبة لهذه المرحلة التي تعيشها الإنسانية؛ فالممارسات الفعلية لواقعنا يحكمها قانون الغاب؛ فالقوي يأكل الضعيف، فهناك غياب شامل للاحتكام للعدالة الإنسانية. ونتيجة لذلك يشهد عالمنا هذه الأيام بالتزامن مع العام الجديد 2023، اصطفافًا غير مسبوق بين القوى العظمى في الشرق والغرب. فقد وقعت اليابان- التي نهضت من الحرائق وتدمير القنابل النووية الأمريكية في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية- اتفاقية دفاع مع بريطانيا في سابقة تاريخية مُفاجئة وغير متوقعة؛ إذ تسمح هذه الاتفاقية التي وقعها رئيس وزراء اليابان مع نظيره البريطاني بتواجد جنود من بريطانيا على التراب الياباني، وكذلك الدفاع المشترك في حال تعرض أي من البلدين لأي هجوم؛ إذ إن اليابان تشعر بقلق وخوف من انفراد الصين أو كوريا الشمالية أو كلاهما معًا بها. كما حصل من روسيا الاتحادية التي شنت حربًا واسعة النطاق على جارتها وحليفتها السابقة أوكرانيا التي خذلها الغرب واكتفى بمدها بالسلاح والمال فقط. صحيحٌ أن الولايات المتحدة الأمريكية تعهدت ببيع معدات وأسلحة متطورة بعشرات المليارات الدولارات الأمريكية لليابان التي كان دستورها يحظر عليها امتلاح قوة هجومية أو أسلحة نووية، ومن هنا تعهدت حليفتها الحالية أمريكا باستخدام السلاح النووي في حالة تعرض اليابان لأي تهديد أو هجوم خارجي من الحلف الصيني الروسي الكوري الشمالي.
لا شك أن صفقة السلاح المليارية التي تنوي أمريكا تزويد تايوان بها خلال قادم الأيام، قد ازعجت الصين التي ترى أنَّ الجزيرة جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، التي تشهد منذ عدة أشهر توترات واحتقانات غير مسبوقة، خاصة في مضيق تايوان، فاحتمالية اجتياح الصين الشعبية لهذه الجزيرة التي تخضع للحماية الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي أصبحت واردة أكثر من أي وقت مضى. واستعراض القوة والمناورات المتكررة للجيش الأحمر الصيني حول تايوان منذ زيارة نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي، إلى تايبيه العام الماضي تنذر باندلاع صراع عالمي بين القوتين النوويتين الصين وأمريكا.
يبدو لي أن الدور الخطير والمزعزع للسلم العالمي في آسيا والمحيط الهادي بسبب إطلاق كوريا الشمالية الصواريخ البالستية العابرة للقارات، وذلك على سبيل التجربة، والتي تهدد العديد من دول الجوار خاصة كوريا الجنوبية واليابان، بل وعبر المحيط الهادي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فقد حوّل هذا التهديد؛ حياة شعوب تلك الدول إلى جحيم. فالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي ورث الحكم من والده، وقبل ذلك جده، في نظام شيوعي يحرم توريث الحكوم؛ كنظام غير ملكي يملك ترسانة نووية تكفي لتدمير الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. لقد سلط الله هذا القائد العنيد على الدول الكبرى وحلفائها من الجيران الآسيويين لكوريا الشمالية، فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فشل في لجم أو احتواء الزعيم الأوحد للشطر الشمالي من جزيرة كوريا، وذلك خلال اللقاء التاريخي الذي جمعهما على الحدود بين الجارتين الكوريتين قبل عدة سنوات، وذلك خلال توليه الرئاسة الأمريكية.
لقد انتهجت هذه الدولة الشيوعية الصغيرة التي ترتبط بعلاقات حميمة مع كل من الصين الشعبية وجمهورية روسيا الاتحادية سياسة استهداف أمريكا واعتبارها الشيطان الأكبر في هذا العالم؛ إذ إنَّ بيونغ يانغ تعتمد على جارتها الصين كحليف استراتيجي، بينما تعتبرها الصين الورقة الرابحة لتهديد الغرب باستخدام لغة الابتزاز المتمثلة في السلاح النووي ضد الدول الإمبريالية من المنظور العقيدي للزعيم الشيوعي المتطرف في الشطر الشمالي للجزيرة الكورية.
أما على مستوى المنطقة العربية، تعيث العصابات الصهوينة المتطرفة فسادًا في أرض فلسطين وعلى وجه التحديد المسجد الأقصى الذي دنسه الأسبوع الماضي بن غفير وزير الأمن في حكومة نتنياهو المُتطرفة، بينما تضع المُقاومة الفلسطينية بمختلف تشيكلاتها أصابعها على الزناد، ومن المحتمل انفجار الأوضاع في الأراضي المحتلة في أي لحظة، وذلك للدفاع عن المقدسات الإسلامية المحتلة.
أين نحن اليوم من القادة العظماء الذين سجلوا أسماءهم بأحرف من نور في سبيل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مُقدمة هؤلاء الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الذي كان حلمه الأبدي أن يصلي في الأقصى وهو محرر من المعتدين الصهاينة، بينما خاض الرئيس المصري جمال عبد الناصر 3 حروب من أجل فلسطين، أما الرئيس الجزائري هواري بومدين فكان يكتب شيكات مفتوحة لشراء السلاح لما يعرف بدول المواجهة لإسرائيل. هذا عندما كان التضامن العربي يجري في عروق الأمة العربية التي جنحت بعض أنظمتها حاليًا للتطبيع مع العدو منسحبةً بذلك من ميدان الجهاد المقدس.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري