مُجدِّدٌ عَلى العرشِ

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

sultankamis@gmail.com

تُشكِّل المرحلة الانتقالية في نظام الحُكم على اختلاف مُسبِّباتها أبرز التَّحديات الجسيمة التي تعكس واقع النمو السياسي والاتزان المُجتمعي في أيّ أُمة؛ فالانتقال السَّلِس، والتخطيط الرَّفيع لنظام حُكم سابق إلى نظامٍ لاحق بكل هدوء وأريحية ورضا نادر في ظل مُستحكمات عصيَّة تُحيط بعالمنا المُعاصر الذي تشوبه العديد من المصالح المتقاطعة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وحتى آيديولوجيًا.

ولا يمكن للمتجوِّل بين أزقَّة التاريخ وجنباته أن يُنكر العُمق الاستراتيجي العُماني في المنطقة، وصراع المصالح المحيطة والدولية لكسب رِهان الموقف العُماني في الداخل والخارج، كما لا يمكن أن يغفل الجمهور الهواجس التي غلَّفت الأجواء الحزينة والمُترقبة، والتي تبدَّدت بعد إعلان مجلس الدفاع حقيقة تاريخية وهي استنارة فكر سادتها وكُبرائها بأنَّه لا يُمكن أن تكون عُمان الحافلة بالمواقف العظيمة على مُفترق طُرقٍ مجهولة.

لقد شكَّل أول خطاب لعاهل البلاد المُفدَّى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزَّه الله- الدواء الذي وُضع على الألم العماني، ويمكننا أن نستقرئ تلك الجوانب الرئيسية من ذلك الخطاب في الآتي:

1.   أبَّن الخطاب السلطان قابوس- طيب الله ثراه- في ذكره مرات عدة؛ وفي ذلك دلالة على قيمته الحضارية والتاريخية والإنسانية والسياسية والأبوية، علاوة على ذكر إنجازاته الجليلة في تأسيس عُمان الحديثة وتطويرها وشقَّ الطريق الوعر وتمهيده لمن يأتي بعده لتكون في مصاف الدول المتقدمة وهي أهلٌ لذلك.

2. أكد الخطاب على قوة وأهمية اللُحمة الوطنية في استكمال مسيرة بناء عُمان الحديثة، والعمل دون كللٍ أو مللٍ للذَّود عن حياضها، والضرب بيد من حديد على كل من تُسوِّل له نفسه أن ينثر بذور الشقاق والتفرقة والتحزُّب.

3. استحضار التاريخ والمجد العُماني والأصالة الخالدة كرصيد تزخر به الأرض العُمانية في سبيل لمّ الشَّمل وتحقيق المصلحة العامة، وتغليب لغة المحبة والتسامح والتآلف.

4. التعاون والتكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين الحكومة وعلى رأسها جلالته- أعزَّهُ الله- وبين المُجتمع بجميع أطيافه وأعراقه ومذاهبه وملله ونحله، فهما عينان في وجه مُشرق، ويدان لا يُمكن التصفيق بدون إحداهما.

5. التحديث والتجديد في هيكلة مؤسسات الدولة وقطاعاتها المتشعبة والتي كانت في فترة من الفترات أحد أهم أسباب غياب الرقابة والمتابعة والفحص والتدقيق، ومن هنا جاء الفكر المستنير بضرورة إعادة هيكلة الجهاز الإداري والذي شهدنا نماذج له ولا تزال مؤسسات الدولة في مرحلة التطوير والتنمية والتحديث بما يتواءم والمصلحة العامة ومتطلبات رؤية "عمان 2040".

6. تعزيز التوجه الاقتصادي بتمكين الاستثمار وتسهيل الإجراءات وتذليل العقبات والاستفادة من الإمكانيات الطبيعية والتاريخية والحضارية والإنسانية التي تتمتع بها السلطنة؛ ليكون رافدًا أساسيًا إلى جانب النفط والغاز وهما ناضبان كما إن التعويل عليهما تحكمه مؤثرات سياسية واقتصادية دولية قد تكون سببًا في صعوبة تحقيق الخطط التنموية.

7. التأكيد على التخطيط السليم ومتابعة مسارات التنفيذ لتحقيق التنمية المستدامة ضمن أولويات خطة وطنية طموحة لعقدين قادمين؛ حيث شكلت رؤية "عُمان 2040" حجر الأساس لبناء منظومة تعليمية مجوَّدة، وتعزيز سياسة البحث العلمي والابتكار، وتطوير المنظومة الصحية، وتنمية المسارات والمهارات الوطنية في القيادة والإدارة، والاعتزاز بالتراث والهوية العُمانية، وتحقيق الرفاه والحماية الاجتماعية، وتمكين مسارات التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، وإنعاش سوق العمل والتوظيف، ودعم ثقة القطاع الخاص في الشراكة مع الدولة نحو تحقيق التنمية والاستثمار على اختلاف أنواعه، والعمل على تنمية المحافظات وتمكين المحافظين وإعطائهم الثقة ليكونوا شركاء فاعلين مع الحكومة نحو التنمية، والعمل على مراجعات الأُطر التشريعية والقانونية والقضائية والرقابية لضمان نجاح الرؤية بكل تفاصيلها، وإعادة الهيكلة الإدارية للموارد والمشاريع الحكومية وتسخير طاقاتها للصالح العام.

8. لم يغفل الخطاب السياسي أهمية قوات سلطان المسلحة وهي الذراع الآخر لجسد الوطن إلى جانب ذراعه المدني؛ فهي الحافظ لأمنه واستقراره، وهي مفاتيح الخارطة الماجدة لعمان الخلود، وهي الصَّوت الرخيم السامي للاعتزاز والفخر، وهي صمام الأمن والأمان لكل شبر من الوطن العزيز، وهي الحاضن الأول للموقف التاريخي الخالد لانتقال الحكم من مرحلة التأسيس والبناء إلى مرحلة التجديد والنماء، فكان خطاب جلالته واضحًا بيِّنًا لا لبس فيه بأهمية هذا القطاع الاستراتيجي في الفلسفة السياسية للبلاد وبين قلوب أبناء المجتمع.

فشكرًا لكل يدٍ تشُمِّر عن ساعديها لعُمان الحاضر والمستقبل، وشكرًا لكل قلب ينبضُ بالحُبِّ والإخلاص برؤية مُشرقة مُتطلعة، وشكرًا لكل فكرٍ ناصع الجمال لوطنه عُمان، وكل عام وجلالة السلطان هيثم المفدى- أيَّده الله- بكل خير وسلام، وكلنا يقينٌ بخطواته الثابتة الواثقة نحو عُمان وما ينبغي أن تكون عليه.