التوجيهات السامية وثقافة العمل

مدرين المكتومية

مُنذُ أن تولّى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في عُماننا الحبيبة، وجلالته يُولي ملف الشباب وتحديدًا الباحثين عن عمل، اهتمامًا كبيرًا، ويتجلّى ذلك من خلال التوجيهات والأوامر السامية السديدة التي يتفضل بها جلالته- أيده الله- في كل مُناسبة؛ سواءً كانت خطابًا ساميًا أو اجتماعًا لمجلس الوزراء، أو لقاءات مع مسؤولين في الدولة أو مُواطنين، وهو ما يُبرهن المكانة الكبيرة التي يحتلها الشباب في فكر واهتمام جلالة السلطان.

ولذلك وخلال تفضل جلالته بترؤس اجتماع مجلس الوزراء أمس، واستعراض الموقف التنفيذي للمبادرات الخاصة بالتشغيل والبرنامج الوطني للتشغيل، أكد جلالته- أبقاه الله- على "أهمية توعية الشباب بفلسفة العمل وثقافته السائدة عالميًّا وضرورة تشجيعهم على خوض مجالات الأعمال الحُرة، موجهًا- أيده الله- الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتهيئة البيئة المُناسبة التي تُساعد المواطنين على الالتحاق بكافة الأعمال". وهُنا نستطيع أن نتأمَّل عبقرية الفكر السامي لجلالة السلطان، الذي يضع الأعمال الحرة وريادة الأعمال في المُقدمة؛ باعتبارها أهم قطاع يُمكن أن يوفّر فرص عمل للمواطنين، لا سيما الشباب، بفضلِ ما يتحلُّون به من المثابرة والعزيمة والقدرة على تحمل ضغوط العمل، وغيرها من الصفات المُميِّزة لهذه الفئة العمرية التي تُمثِّل الوقود القادر على تشغيل عجلة الإنتاج، وتعظيم العوائد الاقتصادية.

جلالة السلطان المفدى- نصره الله- يعلمُ يقينًا مدى تفوُّق العُماني في التجارة، وأنَّ العمانيين تُجّار مهرة منذ القدم؛ حيث برع العمانيون في ممارسة الأعمال الحرة ومخروا عباب البحار واستطاعوا الذهاب لأبعد نقطة مُمكنة، لعرض تجارتهم وشراء السلع من الدول الأخرى على مر التاريخ. ولذلك يوجه جلالته بأهمية التشجيع على خوض مجالات الأعمال الحرة، وهو في الوقت نفسه توجيهٌ بأن تعمل الجهات المعنية على تهيئة البيئة المناسبة التي تُساعد المواطنين على الالتحاق بهذه الأعمال. وهنا نقول إن الكرة في مضرب المؤسسات المعنية؛ سواءً كانت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أو البلديات في كل محافظة أو هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أو بنك التنمية العُماني المعني بتمويل المشاريع، وكل جهة قادرة على أن تسهّل على الشباب الباحث عن عمل بدء مشروعه. ولا شك أنَّ هذه التوجيهات تسري كذلك على القطاع الخاص، الذي يجب على كبرى الشركات فيه أن تمارس مسؤوليتها الاجتماعية، من خلال توجيه الدعم والمساندة لرواد الأعمال، وعلى المراكز التجارية أن تتيح لهم مساحات مناسبة لعرض تجارتهم بأسعار معقولة.

غير أنَّ النقطة الأهم في حديث صاحب الجلالة عن سوق العمل، عندما أشار جلالته إلى "أهمية توعية الشباب بفلسفة العمل وثقافته السائدة عالميًّا"، وهو ما يعني أن ننظر حولنا في أسواق العمل الأخرى؛ حيث نجد الباحث عن عمل لا يحصل على وظيفة دون تدريبٍ مُسبق، وأن هدف الحصول على وظيفة لا يتمثل فقط في تسهيل قدرة المواطن على الاقتراض من أجل شراء سيارة أو بناء منزل أو الزواج، ولكن الهدف الأول يتمثل في اكتساب المعرفة والخبرات التي تساعده على الارتقاء الوظيفي؛ ليتمكن في خلال 5 سنوات- على سبيل المثال- من الحصول على وظيفة براتبٍ جيدٍ يستطيع من خلاله شراء السيارة وبناء المنزل والزواج، وكلها أهداف مشروعة ومطلوبة كي يشعر المواطن بالاستقرار والعيش الكريم.

إنَّ قضية الباحثين عن عمل، محل اهتمام بالغ من مختلف مؤسسات الدولة، وكبار المسؤولين من الوزراء، خاصة الوزراء المعنيين بتشغيل الشباب، وقد كشفت لنا الفترات الماضية حجم الجهد المبذول لتوفير فرص العمل والتدريب والتأهيل لعشرات الآلاف من الباحثين عن عمل؛ حيث انتهجت وزارة العمل نهجًا قويمًا في هذا الصدد، ومضت على مسارين متوازيين؛ الأول: السعي الحثيث مع الوزارات الأخرى ومؤسسات القطاع الخاص لتوفير فرص التدريب والتأهيل، والثاني: طرح فرص العمل للتنافس الشريف بين جموع الباحثين عن عمل؛ سواءً في القطاع العام أو الخاص.

وختامًا.. إنّني أهمس في أذن كل شاب يبحث عن عمل، أن يضع التوجيهات السامية السديدة نُصب عينيه، وأن يُدرك دون أدنى شك أنَّه في مكانة متقدمة من اهتمام ورعاية جلالة السلطان، الأب الحنون الذي لا يدَّخر جهدًا لتحقيق تطلعات الشباب، الذين يتعين عليهم خوض مختلف مجالات العمل، وعلى رأسها العمل الحر، حتى ينعم وطننا بالرخاء والاستقرار في ظل هذا العهد المتجدد الذي يُنير لنا الطريق نحو الازدهار والنماء.